AbdëĿlahi Nöüři

أبرز الاحزاب السياسية


خارطة الأحزاب السياسية في موريتانيا

على الرغم من أنّ موريتانيا دولة صغيرة وهي شبه معزولة عن العالم , وتعيش صراعًا مريرًا بين الأصالة والمعاصرة , وبين التقاليد والعصرنة , وبين فكر القبيلة وفكر المدينة , إلاّ أنّها تشهد حركة حزبية وسياسية نشيطة منذ استقلالها وإلى يومنا هذا . و كثرة الأحزاب السياسية في موريتانيا تعكس التوق الكبير إلى الحرية و انفتاح الموريتانيين على كافة التيارات والمذاهب الفكرية والسياسية , وكثيرا ما كانت موريتانيا تتأثر بالأفكار القادمة من المشرق العربي وحتى من بقية الدول المغاربية , والتيارات السياسية في موريتانيا هي في الواقع انعكاس للحركات السياسية في المشرق العربي وبقيّة الدول المغاربيّة . ومع أنّ منطق القبيلة هو المسيطر على المسلكية الاجتماعية في موريتانيا الاّ أنّ ذلك لم يحل دون انتشار الأفكار السياسية من كل الألوان في هذه القبيلة أو تلك , إلى درجة أنّ باحثًا موريتانيّا - وفي مضمار حديثه عن القبائل الموريتانية- وصف أحدها بالقبيلة الماركسية وأخرى بالقبيلة الإسلامية في إشارة إلى رواج الأفكار الماركسية في هذه القبيلة والأفكار الإسلامية في القبيلة الأخرى . ومن أقدم الأحزاب السياسية في موريتانيا "حزب الشعب الموريتاني" الذي تمّ حلّه إثر انقلاب تموز –يوليو –1978م , وهناك أحزاب كانت تعمل في السرّ " كالحركة الديموقراطية الوطنيّة" والتي تأسست سنة 1968م , و "حزب النهضة " الذي أسسّه "أحمد بابا مسكي" في الستينيات , و"حزب الكادحين الموريتانيين" الذي تأسّس في سنة 1973م و"حزب العدالة الموريتاني" الذي تأسّس في باريس في سنة 1974م , و"حزب البعث الاشتراكي" الموالي للعراق وهو من أقدم الأحزاب العاملة في موريتانيا وقد أتهمّ هذا الحزب مرارًا بمحاولة قلب نظام الحكم , آخرها محاولة انقلابية للإطاحة بحكم الرئيس "معاوية ولد طايع" وذلك بالتنسيق مع العراق كما جاء في بيان اتهاّم هذا الحزب . ومن الحركات السياسية التي كانت تنشط في موريتانيا "الحركة الناصرية" التي كانت متأثرة بفكر الرئيس جمال عبد الناصر . و نتيجة الاضطرابات السياسية وتوالي الانقلابات العسكرية فقد برزت عشرات الأحزاب السياسية الى الوجود , وانقرضت أخرى , بسبب حظر الحكومات المتعاقبة على الحكم في موريتانيا قيام أحزاب سياسية وخصوصًا تلك التي تقوم على أساس ديني . وقد بدأت الحركة السياسية في موريتانيا تزدهر بعد إقرار الدستور الجديد الذي وضعه الرئيس الموريتاني "معاوية ولد طايع" , وقد نصّ الدستور على مجموعة مبادئ عامة منها جميع مبادئ حقوق الإنسان وحقوق المرأة الدولية, وأكدّ الدستور الجديد على أنّ الإسلام هو دين الدولة , وأنّه المصدر الوحيد للقانون والذي يتلاءم مع متطلبات العلم الحديث , وذلك في محاولة لإرضاء التيارات الإسلامية التي كانت تطالب بتطبيق الشريعة الإسلاميّة , والتيارات العصرية التي كانت تطالب بعلمنة الدولة . و أكدّ هذا الدستور على أنّ الشعب الموريتاني شعب مسلم عربي وإفريقي مصمم على السعي من أجل تحقيق وحدة المغرب العربي و الأمة العربية وإفريقيا . و أقرّ الدستور الجديد على أنّ اللغة العربية هي لغة رسمية من دون شريك في رسميتها ومن دون ازدواجية في سيادتها , وبهذا الشكل أرضى الدستور القوميين الموريتانيين الذين يؤمنون بعروبة موريتانيا , وبتأكيد الدستور على الانتماء الموريتاني إلى إفريقيا أرضى "الزنوج" الذين يرفعون شعار موريتانيا الافريقية , والذين يتحدثّون في خطاباتهم السياسية على ضرورة تحرير موريتانيا من "البيضان" . وأكدّ الدستور على أنّ اللهجات الإفريقية السائدة في موريتانيا وهي : "البولارية" و"الولفية" و"الونيكية" هي لغات وطنية في موريتانيا , ونصّ الدستور أيضًا على المساواة بين جميع المواطنين من دون تمييز في الأصل والجنس والعرق والمكانة الاجتماعية , وفي الوقت نفسه نصّ الدستور على أنّ القانون يعاقب كل دعاية إقليمية ذات طابع عنصري واقليمي .. وتجدر الإشارة إلى أنّ مجموعة من "الزنوج" الموريتانيين كانوا قد أسسّوا في السبعينيات حزبًا أطلقوا عليه اسم : "جبهة تحرير الأفارقة في موريتانيا" , وكانت هذه الجبهة تهدف إلى إقامة دولة سوداء في موريتانيا , التي ستحمل اسم دولة – "والو والو" – في حال نجحت خطة هذه الجبهة , وقد حاولت جبهة تحرير الأفارقة القيام بانقلاب عسكري أحبطته السلطة الموريتانية في ذلك الوقت . وكانت جبهة تحرير الأفارقة التي أسسّها "وول فوغوي" تطالب بتحرير موريتانيا من "البيض", وكانت على علاقة ببعض الدول الافريقية المرتبطة بفرنسا , كما كانت على علاقة بالأجهزة الأمنية الفرنسية . ومن الأحزاب التي تأسسّت في وقت لاحق "حزب اتحاد القوى الديموقراطية" الذي أنشأه "أحمد ولد داده" وهو حزب يساري , و" الحركة الوطنية الماركسية" والتي تخلت عن أيديولوجيتها وتكيفّت مع المتغّيرات العالمية , و"حزب العمل من أجل التغيير" والذي كان يتزعمه "مسعود ولد بلخير" وهو شخصية سياسية منشقّة عن حزب "اتحاد القوى الديموقراطي " , و"الرابطة الديموقراطية الموريتانية" وهي حزب كان شكليا في خانة المعارضة وجوهريًا من أقرب الأحزاب إلى نظام "معاوية ولد طايع" . وقد تحولّ حزب "البعث" الموريتاني إلى حزب الطليعة وكان يتزعمه "خضري ولد طالب جدو" , ثمّ تولى زعامة الحزب "عبد الله ولد أمحيمد" والذي اعتقل بتهمة تدبير انقلاب ضدّ نظام "معاوية ولد طايع " بالتعاون مع المخابرات العراقية . ومن الحركات السياسية الأخرى في موريتانيا "حزب التحالف الشعبي التقدمي" وهو ذو ميول ناصرية وقومية وكان الناطق باسم هذا الحزب هو "محمد الحافظ ولد اسماعيل" , و"حزب الجبهة الديموقراطية الموحدّة" وتزعمّه "الحضري ولد خطري" , و"حركة الحراثين" بزعامة "مسعود ولد بلخير" , و"حزب الاتحاد الشعبي" بزعامة "محمود محمود ولد أمّاه" , و"حزب اتحاد التخطيط من أجل إعادة البناء " والذي نال الاعتماد في بداية التسعينيات . أمّا الحزب الحاكم الذي يتزعمّه الرئيس الموريتاني "معاوية ولد طايع" فهو "الحزب الجمهوري الديموقراطي" الحاكم والذي كان باستمرار يتصدّر الطليعة في الانتخابات التشريعية , و كان رئيس الحزب هو رئيس الدولة على الدوام . ورغم هذا التعدد في ألوان الطيف السياسي المرخص لها رسمياً، فإنه لم يسمح للتيار الإسلامي الواسع الانتشار بتشكيل حزب رسمي رغم ما لهذا التيار من ثقل متزايد في الساحة الموريتانية . وعند العديد من المراقبين تعتبر تيارات اليسار الموريتاني من أنشط التيارات في الستينيات والسبعينيات , وتمكنّت في بعض المحطات السياسية من مضايقة السلطة وذلك من خلال حركة الإضرابات في المعاهد التربوية والمعامل . ويقول الباحثون: إنّ السلطة كانت على الدوام تغضّ الطرف عن التيارات اليسارية والقومية وحتى التيارات الانفصالية الموالية لفرنسا , لأنهّا كانت تخشى فقط من جانب التيارات الإسلامية التي منعتها من تأطير نفسها سياسيًا . وقد فضلّ التيار الإسلامي التحرك في الساحة السياسية الموريتانية من خلال استراتيجية مستقلة ومغايرة لاستراتيجيات التيارات السياسية الأخرى , والتي ذاب العديد منها في الحزب الجمهوري الديموقراطي الحاكم . ويمكن توضيح مقاصد وغايات التيارات القائمة في موريتانيا من خلال تشريح الخارطة السياسية الموريتانية على الشكل التالي : - التيار الإسلامي والذي يتحرك من خلال "حزب الأمة " غير المرخّص له وهيئات الإغاثة الإسلامية ومراكز نشر الثقافة الاسلامية وجمعيات إسلامية ذات اهتمام اجتماعي وثقافي , ويؤمن التيار الإسلامي بمشروع الدولة الإسلامية , لكن ليس على طريقة جمهورية "معاوية ولد طايع" الإسلامية , بل من خلال المواءمة بين النظرية والتطبيق . - التيار القومي والعروبي الذي يضمّ كافة الأحزاب التي تؤمن بعروبة موريتانيا في مواجهة سياسة التغريب والفرنسة , ولهذا التيار أحزاب مرخّصة وتعمل في الساحة السياسية بشكل علني وشرعي , وانتقل بعضها من المعارضة وإلى السلطة من خلال دخول شخصيات قيادية قومية في الحزب "الجمهوري الديموقراطي" الحاكم . - التيار الفرانكفوني التغريبي واليساري والذي يعادي مشروع تكريس هوية موريتانيا ذات البعدين العربي والإسلامي , ولهذا التيار القدرة على الحركة السياسية ويتمتع بديناميكية من خلال تغيير التحالفات و التكيّف مع الأوضاع المستجدة ويسيطر على الإعلام الموريتاني بنسبة كبيرة . _ التيار الانفصالي الكياني ويضمّ هذا التيار الغالبية من "الزنوج" الذين يطالبون بالاعتراف بالهوية الإفريقية تماما كما يطالب بربر الجزائر بضرورة الاعتراف باللغة الأمازيغية – البربرية - , ولهذا التيار ارتباطات قوية بفرنسا ويعتمد اللغة الفرنسية في خطابه السياسي والإعلامي , وتستقبل فرنسا العديد من الطلبة الموريتانيين الزنوج في الجامعات الفرنسية . -التيار القبائلي والمناطقي , ويوجد في خانة هذا التيار العديد من القوى السياسية المناطقية كالعرب السود الذين كانوا عبيدًا في الماضي وحرروا , وهناك حزب باسمهم وهو حزب "الحراثين" كان يتزعمه مسعود ولد بلخير , وفي موريتانيا تيارات سياسية تنتمي إلى قبيلة "الترارزة" في جنوب موريتانيا والمجاورة للسنغال وبالأخص أغلب أبناء قبيلة "بوتليميت" في جنوب موريتانيا والمجاورة للسنغال وهي قبيلة كبيرة عرفت بعلاقاتها الوطيدة بالسنغال والإدارة الفرنسية وقد تضررّت كثيرًا من النظام العسكري الذي أعقب عهد "مختار ولد داده" , إذ إنّ كثيًرا من أفراد هذه القبيلة كانوا يتمتعّون بمرتبات وامتيازات عديدة في عهد "مختار ولد داده" , كما تضررّت منطقة "الترارزة" اقتصاديّا بعد إغلاق الحدود مع السنغال . - طبقة المستقلين والتي تضمّ المثقفين والأساتذة في الجامعة و المعاهد الثانوية والمتوسطة وهذه النخبة تؤثر بشكل محدود في الحياة السياسية . تنفرد الساحة السياسية الموريتانية فوق التباينات السابقة بأنها "فسيفساء" يتداخل فيها السياسي بالعرقي بالطائفي والقبائلي والمناطقي , و الفكري والثقافي والايديولوجي . وعندما تجري انتخابات تشريعية أو رئاسية في موريتانيا فإنّ أبناء الأسرة والخيمة الواحدة يختلفون فيما بينهم حول هذا المرشح أو ذاك , فينقسم الشارع والقبيلة والأسرة الواحدة حول دعم هذا المرشح أو ذاك ويصادف أن يدعم الزوج مرشحًا والزوجة مرشحا آخر . ويذهب بعض الباحثين إلى القول: إنّ التجربة الديموقراطية في موريتانيا هي أقرب الى "ديموقراطية الخيّام السمحة" , فأثناء الانتخابات العامة تنصب الخيام وتكون هذه الخيام تابعة لهذا المرشح أو ذاك وكلها متقابلة , وفي احدى المرات تعطلّ (ميكروفون) خيمة منافسة فتضامنت معها الخيمة التي كانت تقوم بالدعاية لحزب آخر فتوقفّت عن استعمال (الميكروفون) حتى أصلحت الخيمة الأخرى ميكروفونها علما أنّ كل خيمة كانت تقوم بالدعاية لتيار سياسي مغاير . وعندما كانت هذه الخيام السياسية تنتهي من تبادل الشتائم والتحريضات كانت تلتقي كل الأطراف على أكواب الشاي الموريتاني الأصيل . والحركات السياسية الموريتانية لا تملك برامج سياسية متكاملة , والكثير منها كان وليد الأحداث السياسية المضطربة وغير المستقرة التي مرّت بها موريتانيا , وكانت السلطة السياسية في بعض الأحيان توعز إلى بعض السياسيين لتشكيل أحزاب سياسية للإيحاء بأنّ المناخ الديموقراطي هو السائد في موريتانيا , خصوصًا وأنّ السلطة الفرنسية كانت تدفع العسكريين في موريتانيا إلى تبنيّ خطاب سياسي أكثر انفتاحًا على المعارضة الموريتانية . ومن الأحزاب السياسية الموريتانية التي حاولت الإطاحة بالنظام القائم في موريتانيا عن طريق القوة حزب "البعث" الموريتاني الموالي للعراق والذي تبلورت ملامحه منذ نهاية الستينيات وتحولّ إلى تنظيم مستقل بعد انفصال الناصريين عن الحزب سنة 1970 . وقد تزعمّ هذا الحزب لدى تأسيسه "محمد بحظية ولد الليل" , ومنذ تأسيسه أرتبط بحزب "البعث" العراقي، ولم تكن له أي علاقة بالبعث السوري، ولم تختلف شعاراته عن شعارات حزب "البعث" العراقي و كان ملتزمًا بالقيادة القومية في العراق باعتباره فرعًا من فروع حزب البعث العراقي الأم. وقد دخل البعثيون الموريتانيون العمل السرّي منذ بداية وجودهم على الساحة السياسيّة , وعلى امتداد العهود السياسية في موريتانيا كانوا عرضة للملاحقة و الاعتقالات الأمر الذي جعل حزب البعث الموريتاني من أكثر الأحزاب تنظيمًا وهيكلية , واستطاع هذا الحزب أن يستقطب العديد من المثقفين و المنضمين إلى الجهاز التعليمي . و تمكنّ البعثيون الموريتانيون من اختراق المؤسسة العسكرية واستمالوا العديد من الضبّاط كما اعتبروا حلفاء للانقلاب العسكري الذي وقع في سنة 1978م والذي أطاح بالرئيس "مختار ولد داده" , وبعد الانقلاب تمّ تعيين "ولد بريد الليل" زعيم الحزب الموريتاني وزيرًا للإعلام ثمّ وزيرًا للتوظيف العمومي , ولكن شهر العسل مع النظام العسكري لم يدم طويلا إذ سرعان ما جرى اعتقال البعثيين الموريتانيين في سنوات 1979 , 1982 , 1987 , 1988 ,1995 وبعد ذلك أيضا كان البعثيون باستمرار عرضة للاعتقالات , ووصلت ردة فعل موريتانيا إلى ذروتها عندما قطعت علاقاتها مع العراق متهمة اياّه بتمويل حزب "البعث" الموريتاني وتحريضه على الإطاحة بالنظام القائم في موريتانيا . ومن التيارات السياسية المتداخلة والمتشعبّة التيار الإسلامي والذي يضمّ بين دفتيه جماعات عديدة تختلف ظروف نشأتها وتكوينها وتطورها اختلافا كليّا عن نشأة الأسر الحزبية الأخرى . وداخل التيار الإسلامي هناك جماعات تقليدية قديمة وعريقة ساهمت سابقًا في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية لموريتانيا , وهناك جماعات حديثة ومعاصرة تأثرت بالأفكار الإسلامية السائدة في المشرق العربي ومغربه . ومثلما عرفت الساحة السياسية الموريتانية تنوعا وتعددّا في الأحزاب السياسية والأفكار والايديولوجيات , فكذلك الأمر بالنسبة للتيارات الإسلامية التي تعددّت مشاربها , ومنها المتأثر بفكر المتصوفة , ومنها المتأثر بفكر "مالك بن نبي" و"سيد قطب" و"أبو الأعلى المودودي" و"راشد الغنوشي" و"حسن الترابي" و"الامام الخميني" . ومازال التيار الإسلامي بمختلف مشاربه يبحث عن آلية للعمل السياسي و عن استراتيجية تخولّه البروز في ظلّ وضع معقد ومتداخل كالوضع الموريتاني .

الأحزاب الاسلامية في موريتانيا
لعبت "المحاظر" – المعاهد الإسلامية التقليدية – في موريتانيا دورًا كبيرًا في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية الموريتانية ويعود تاريخ "المحاظر" إلى القرن الثاني عشر وكان اسمها في الماضي "الزوايا" , وفيها يبدأ الصبيّ حفظ القرآن الكريم المكتوب على ألواح بالخط العربي الجميل , واللوح ذاته لوحة فنيّة , و كان دور "المحاظر" في الماضي إعداد الدعاة وسط الصحراء وعند التخوم لخدمة الرسالة الإسلامية . و امتزجت في هذه "المحاظر" أو "الزوايا" الحركة الصوفية مع البيئة الصحراوية , وبفضل هذه المحاظر تحولّ الشعب الموريتاني من مجموعة من الرعاة إلى شعب يملك تراثًا ثقافيًا إسلاميًا عميق الجذور في غرب إفريقيا , ويشترك الصبيان والفتيات في الدراسة بهذه "المحاظر" ويعيش الطلبة ظروف تقشف قاسية حيث يأتي الطالب ببقرته أو عنزته التي يشرب من لبنها ويعيش في خيمة متفرغًا للعلم في هذه "المحاظر" وفي كثير من الأحيان يشاهد الطلبة وهم يجلسون على قارعة الطريق يقرؤون القرآن الكريم ويطالعون كتب الأدب العربي، والتاريخ والسيرة النبوية، والفقه، والمنطق، وعلم الكلام , ويكتبون على ألواح انتزعوها من الأشجار ويكتبون بأحبار مستخرجة من الثمار , و أحيانًا يكون الطالب فقيًرا معدمًا فيساعده السكان بالمال والغذاء , ويتبرع بعض الأهالي بمنازلهم ليبيت فيها الطلبة , و لا يطلب صاحب المدرسة أو المعلم أيّ أجر عن التعليم , و انّما يقوم بهذا العمل الجليل طالبًا ثواب الآخرة , ويقدمّ أهالي الطلبة الميسورين ما يسمى "بجراي القرآن" وهي عبارة عن مساعدة رمزية . وقد وقفت هذه "المحاظر" أو "الزوايا" والطرق الصوفية سدّاً منيعًا في وجه الاستعمار الفرنسي, وكانت هذه "المحاظر" مراكز للمقاومة ضدّ المشروع الاستعماري الفرنسي وضدّ الإرادة الفرنسية في فرض اللغة الفرنسية على موريتانيا . وعلى الرغم من أن عشرات المؤسسات التعليمية قد تمّ تشيّيدها في موريتانيا منذ الاستقلال , إلاّ أنّ الأكواخ المكوّنة من سقف النخيل والخيام، ومن وبر الجمال مازالت تقوم بدورها في تحفيظ الطلبة القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية . ومن رحم هذه الأجواء بدأت تتشكّل التيارات الإسلامية في موريتانيا , وتعود البدايات الأولى للحركة الإسلامية الموريتانية إلى النصف الثاني من الستينيات , وكانت هذه الحركة تضع ثقلها السياسي في الجامعات والمعاهد التربوية والتعليمية , وتأثرت هذه الحركة الإسلامية بالفكر الإسلامي الوافد من المشرق العربي وآسيا الإسلامية وبقية الدول المغاربية, حيث استلهمت شخصيات اسلامية موريتانية الكثير من فكر "سيد قطب" و"أبو الأعلى المودودي" و"مالك بن نبي" و"راشد الغنوشي" . ولم تتبلور الحركة الإسلامية الموريتانية في هيكل تنظيمي كما هو شأن أقدم حركة إسلامية في المغرب والتي هي "منظمة الشبيبة الإسلامية" التي أسسّها "عبد الكريم مطيع" أو "الجماعة الاسلامية" في تونس التي أسسّها "راشد الغنوشي" و"عبد الفتّاح مورو" أو الجماعات الإسلامية في الجزائر , كجمعية "القّيم" التي أسسها "عبد اللطيف سلطاني" و "أحمد سحنون" وغيرهما , والسبب يعود إلى أنّ السلطة الموريتانية كانت تحظر قيام أحزاب على أساس ديني. وينقسم التيار الإسلامي الموريتاني الى ثلاث مجموعات رئيسة أهمها مجموعة "السلفيين ", ويصنّف هؤلاء ضمن القوى التقليدية في المجتمع التي ستلعب دورًا هامًا في المرحلة القادمة لا كقوة حزبية مستقلة بل كقوة مؤثرة وضاغطة داخل حزب الرئيس "معاوية ولد طايع" وخارج الحزب الحاكم . والجمعية الثقافية الاسلامية هي تعبير عن هذه المجموعة السلفية والتي تضم أيضا رجال أعمال مثل : "عبدو مجم" , و"حاجي" الذي توفيّ في وقت سابق , وتضم الداعية " محمد فاضل" ولد الأمين المدير العام لمعهد ابن عبّاس للعلوم والدراسات الإسلامية , والداعية "محمد المختار كاكي" الذي يعمل مفتشا في التعليم الأساسي وتضم هذه الجمعية أيضا مجموعة من الشخصيات والوجوه التقليدية من أبناء الأسر العلمية العريقة مثل "الحضرمي" و"الحظري" . وهذه المجموعة تتحرك في الخط الفكري والثقافي والاجتماعي العام , ولها وجود كبير في مدينة "نواكشوط" بالإضافة إلى كبريات المدن الموريتانية مثل "نواذيبو" وغيرها , وتؤمن هذه المجموعة بعروبة وإسلامية موريتانيا وتعمل على تكريس مبادئ الإسلام من خلال النشاط الفكري والثقافي , ولأنّ هذه المجموعة غير سياسية فانّ العديد من الأحزاب المعتمدة وحتى الحزب الحاكم تعمل على استقطاب شخصيات من هذا التيار الإسلامي الهادئ والذي له علاقات محدودة بالقوى السياسية . ومجمل نشاطات هذه المجموعة في الجامعات والثانويات والمعاهد التعليمية , ولا تملك هذه المجموعة منابر إعلامية , بل إنّ الشخصيات إلتي تنتمي الى هذا التيار لها حضور محدود في الصحافة الموريتانية . أمّا المجموعة الثانية فمعروفة باسم التيار الإسلامي وهي متأثرة بحركة النهضة التونسية التي يتزعمها "راشد الغنوشي" و "الجبهة القومية الاسلامية" التي يتزعما "الدكتور حسن الترابي" و حاولت هذه المجموعة أن تميّز نفسها عن المجموعة الأولى بادعائها أنّها تملك أطروحة إسلامية شاملة ولها أهداف سياسية , ومن أبرز شخصيات هذا التيار الإسلامي "بومية ولد أبياه" وهو أستاذ نقابي معروف يعمل في مدرسة تكوين الأساتذة، ولهذا التيار نشاط مركّز في المساجد والمعاهد التربوية، ويتفاعل سياسيًا مع الكثير من الأحداث في العالم العربي والإسلامي . ولا يوجد لهذا التيار هيكلية محددّة وتنظيم خاص وصحف ناطقة باسمه , بل يتحرك في كل المواقع الجغرافية مع تركيز ملحوظ على العاصمة الموريتانية "نواكشوط" , و"نواذيبو" وغيرها . أمّا المجموعة الثالثة فهي أكثر حركية ولها علاقات مع الإسلاميين خارج موريتانيا , وتعرف هذه المجموعة باسم "حاسم" وهو اختصار للحركة الاسلامية الموريتانية , وبدأت ملامح هذه الحركة تتشكل في نهاية السبعينيات وقد تأثرت بفكر مؤسس الجمهورية الاسلامية في إيران الإمام "الخميني" , وأول بيان أصدرته هذه الجماعة كان في سنة 1985 . وعلى الرغم من أن عناصر هذه الحركة الاسلامية قد تأثروا في بدايات نشأتهم بحركة الاخوان المسلمين المصرية و الجماعة الاسلامية الباكستانية ودرسوا كتب "سيد قطب" و "أبو الأعلى المودودي" , إلاّ أنّهم وبعد الثورة الإسلامية في أيران باتوا يطالعون كتب "محمد باقر الصدر" و"علي شريعتي" و"الامام الخميني" , وقائد هذا التيار هو "محمد ولد عبد الله" أستاذ التاريخ في جامعة نواكشوط . وقد انقسمت الحركة الإسلامية الموريتانية حول الموقف من الحكم والتعامل معه , و في سنة 1983 حاول "ولد هيدالة" أن يغطيّ حكمه الديكتاتوري القمعي بالادعّاء أنّه يطبّق الشريعة الإسلامية كما فعل "جعفر النميري" في السودان وتحديدًا في أخر عهده , وكان إعلان هيدالة كفيل بإخراج الناس إلى الشارع داعمة له , وبعض المجموعات الإسلامية رفعت شعار "هيدالة" بطل السلام والإسلام , علما أن السجون الموريتانية كانت تعجّ بالاسلاميين المعارضين والوطنيين من مختلف التيارات السياسية , ولإرهاب الناس وتخويفهم أسست الحكومة في عهد "هيدالة" لجان التهذيب الوطنية , وكانت هذه اللجان أشبه بأفواج قطّاع الطرق . ويقول باحث موريتاني: إنّ المجتمع الموريتاني مجتمع إسلامي حقيقي بفطرته , ويتميّز إسلامه بالتسامح , وهو مجتمع يحترم بطبعه التقاليد والعادات، وهو مجتمع محافظ , ويعتبر الموريتانيون أنفسهم أنّهم حاملو راية الإسلام ويعتزّون بكونهم هم الذين أدخلوا الاسلام الى غرب ووسط إفريقيا السوداء , والغالبية من الموريتانيين تؤدّي الفرائض الدينية. وحسب مثقف إسلامي موريتاني فانّ الحركة الاسلامية في موريتانيا وجدت في جوّ لم يساعدها على التبلور الصحيح وعلى التحددّ كحركة مؤثرة نتيجة لفشل المشروع التغريبي الذي لم يُؤت أكله في موريتانيا , والعامل الثاني - حسب هذا المثقف الإسلامي- والذي حال دون تبلور حركة إسلامية قوية فهو القبيلة المعادية للحركة الإسلامية , فللقبيلة فكرها الخاص وانتماؤها المحددّ، ولا تعترف معظم القبائل الموريتانية الاّ بالتصوف الذي يدعو إلى الزهد في الدنيا والانصراف عن ملذاتها وشهواتها والسلطة هي أبرز مصداق لهذه الملذات؛ ولذلك لا تعني القبائل كثيرًا مسألةُ الإسلام السياسي , ورغم ذلك فإنّ بعض القبائل في شرق موريتانيا احتضنت الإسلام السلفي , وقبائل "أيدو علي" احتضنت الإسلام الصوفي . و مع أن الحركة الإسلامية الموريتانية موزعة على مجموعات عديدة , إلاّ أنّه لا أحد يشك في أنّها موجودة وقد تتحول إلى طرف رئيس في معادلة السياسة الموريتانية

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More