AbdëĿlahi Nöüři

الشعر الموريتاني

أوتار الصحراء
أحمد ولد محمد عبد الله
إهــداء
إلى الذين سقوا بدمائهم الزكية رمال
هذه الصحراء الجميلة
لهم هذا العمل المتواضع.
ديباجة
موريتانيا بلد المليون شاعر، هذا هو الوصف المتعارف عليه لموريتانيا، منذ استقلالها فالشعر هو العلامة والميزة البارزة لهذا الشعب، به عرف وتميز عن شعوب الأمة الأخرى وقد شاع تعاطي الشعر، إنشاء وإنشادا في المجتمع الموريتاني حتى صار جزءا من ثقافة المجتمع ومكونا أساسيا من مكونات بنيته الثقافية.
ولئن كان قيام القصيدة الشنقيطية لم تُعرف له بداية محددة إلا أن نهاية القرن الحادي عشر وبداية القرن الثاني عشر الهجريين ـ حسب أغلب النقاد والدارسين ـ هي البداية الحقيقية للنهضة الشعرية الشنقيطية.
يقول الدكتور محمد المختار ولد اباه: "في أواسط القرن الحادي عشر الهجري، تفجرت نهضة شعرية عارمة لمع من بين قادتها المرموقين سيدي عبد الله بن محمد العلوي ابن رازكه والشيخ محمد اليدالي والذئب الحسني وبوفمين المجلسي وآلما العربي وغيرهم، فقد كان شعرهم متكامل الصورة. فهل كان قبلهم من سبقهم إلى نسج القريض؟".
ويجيب ولد اباه بقوله: "الآراء تختلف في الإجابة على هذا السؤال، والمصادر التاريخية لا تسعف بالجواب الصحيح، فالذين يفترضون أن هؤلاء الجماعة كانوا أول من نبغ في الشعر في ربوع الصحراء أعتمدوا في هذا الإفتراض أنه لو كان هناك شعر لوصلنا مثل ما وصلتنا أشعار ابن رازكه وغيره، ومثل ما وصلتنا أشعار القدماء من قبل."
ومهما يكن فإن بلاد شنقيط شهدت منذ نهاية القرن الحادي عشر الهجري نهضة شعرية رائدة، تحيل في خصائصها الفنية والأدبية إلى أبهى عصور إزدهار عصور الشعر العربي "العصر الجاهلي".
ويرى النقاد والدارسون أن المدونة الشعرية الموريتانية لو أضيفت إلى المدونة الشعرية العربية لما أمكن الحديث عما يمسى "عصر الضعف" في الأدب العربي، لأن فترة الإنحطاط الأدبي في المشرق كانت فترة إزدهار للشعر الموريتاني، يقول الكاتب والناقد المصري طه الحاجري: "إن الصورة التي أتيح لنا أن نراها لشنقيط في هذين القرنين (يقصد القرنين 12 ـ 13) جديرة بأن تعدل الحكم الذي أتفق مؤرخو الأدب العربي على إطلاقه على الأدب العربي عامة في هذه الفترة، فهو عندهم ـ وكما تقضي آثاره التي بين أيديهم ـ أدب يمثل الضعف والركاكة، والفسولة في صياغته وصوره ومعانيه؛ إذ كانت هذه الصور تمثل الأدب وفي وضع مختلف يأبى هذا الحكم أشد الإباء، فهو في جملته أدب جزل بعيد عن التهافت والفسولة".
وعن علاقة الشناقطة "الموريتانيين" بالشعر، يقول الأديب اللبناني متى خليل:"الشعر خبز جوهري لأبناء شنقيط، يأكلون منه ولا يشبعون، وينهلون من نبعه ولا يرتوون، فهم والشاعرية توأم وجود، تحدرت معهم من أصلاب جدودهم، وعايشتهم في طفولتهم وشبابهم ورجولتهم واكتهالهم، فأنى لهم أن يتقبلوا الحياة دون قافية تدندن.. الشعر هو كيمياء السعادة لدى كل فرد موريتاني وفاعل المعجزات في نفسه".
لقد أستطاع الشعراء الموريتانيون في القرون الثلاثة الأخيرة إحياء شكل القصيدة العربية القديمة في بحورها الطويلة، ما أسهم في إحياء أعرق مستويات المعجم الشعر العربي القديم، متجاوزين بذلك أسلوب التجنيس والصناعة اللفظية التي هيمنت على أدب عصور الإنحطاط، فكانوا بذلك سباقين إلى ولوج التجديد وصياغة شروط النهضة الحديثة.
وقد أتفق النقاد على تقسيم إجرائي للشعر الموريتاني إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل الإستقلال، ومرحلة ما بعد الإستقلال.
مرحلة ما قبل الإستقلال
وتمثل التراث الشعري القديم، ويمكن تقسيم أساليب الشعراء في هذه المرحلة إلى نموذجين:
  • أسلوب يقوم على المعجم البيئي الجاهلي والتشبيه الحسي مع تداخل الأغراض الشعرية في النص الواحد، حيث تتداعى الأفكار تداعيًا حرًا، ويتجول الشاعر بين الأطلال والظعائن والصحراء والناقة والقبيلة، وشكلت النزعة البيئة الجاهلية ملمحًا مميزا من ملامح الشعر الموريتاني في هذه المرحلة، ويرجع ذلك إلى خلفية الشاعر الموريتاني اللغوية التراثية كما أن البيئة لها دورها في تنمية هذا الملمح البيئي الجاهلي في الشعر، فتشابه البيئة الموريتانية مع بيئة الشعر الجاهلي من حيث طابع البداوة والترحل والخصائص الإجتماعية التي هي أقرب ما تكون إلى العادات العربية الصميمة من نبل الأخلاق والشهامة والكرم وروح القبيلة، كل ذلك كان له أثره على ألفاظ الشعر الموريتاني.
  • أسلوب آخر يقوم على المعجم الأدبي الحديث مع التركيز على وحدة الموضوع، حيث تشكل القصيدة بنية واحدة محكمة الاتصال.
مرحلة ما بعد الإستقلال 
أدى قيام الدولة الحديثة والإنفتاح على العالم إلى تأثر الشعراء الموريتانيين بالنهضة الأدبية التي شهدها الأدب العربي، فحاول الشعراء التعبير عن القضايا الإجتماعية والسياسية متأثرين بالقضايا القومية والإسلامية واليسارية.
كما أن عوامل عديدة أسهمت في ظهور بوادر التجديد الشعري في موريتانيا، منذ السنوات الأولى للإستقلال، فظهرت قصائد تحتذي أشعار المهجريين وتقوم على الشكل الموشحي.
لكن مرحلة سبعينيات القرن الماضي كانت بمثابة الإنطلاقة الحقيقية للنهضة الشعرية الحديثة في موريتانيا، حيث ظهرت قصائد جديدة تحاول كسر القوالب القديمة كالعمود الشعري والبناء الخليلي الموسيقي وتجنح إلى الشعر الحر.
وفي العقدين الأخيرين من القرن الماضي، ظهرت النزعة الرمزية الأسطورية في القصيدة الموريتانية إذ بدأت ملامح القصيدة الحرة، حيث يلاحظ ميل الشعراء إلى الرموز الأسطورية.
ونحن إذ نقدم عبر هذا الكتاب نصوصا ونماذج شعرية لشعراء موريتانيا، عبر المراحل التصنيفية المشار إليها آنفا، نستهدف تقديم صورة عامة للشعر الموريتاني، وتزويد القراء والباحثين بنماذج شعرية ترصد الشعر الموريتاني في مراحل تطوره، وبعض أبرز مدارسه.
***
ببهاء ولد بديوه
  • من مواليد إيديني، عام 1966.
  • حاصل على شهادة الماجستير في الدراسات اللغوية والأدبية الحديثة.
  • أستاذ مدرس للمواد الآتية بين عامي 2002 و 2006 في عدد من التخصصات الأدبية.
  • مدقق لغوي وكاتب متعاون بالوكالة المريتانية للأنباء بين عامي 1999 و2002.
صدر له:
  • أنشودة الدم والسنا، شعر، مكتبة الآداب القاهرة، 1995.
  • نشيد الضفاف، شعر، رابطة الأدباء موريتانيا، 2007.
أبـــو الـهــول
مِنَ الزَّمَنِ المُتَحَجِّرِ
مِن صَمْتِكَ الوَاجِمِ المَلَكُوتِ
تُطِلُّ طَرِيًّا كَمَا التمع البَرْقُ
مُنْبَجِسًا مِنْ صُدُوعِ الغَمَامِ
وَحَوْلَكَ يَرْقُدُ مُسْـتَنْـقَعَاتٌ الْقُرُونِ
وَحَوْلَكَ يَرْقُدُ هَذا الرَّكَامُ المُحَطَّمُ
هَذَا الفَضَاءُ المَبَرَّحُ مِنْ بِرَكِ اللَّيْلِ مِنْ آسِنَاتِ العُصُورِ
بِأَيَّةِ شَكْوَى تَضِيقُ المَزَامِيرُ؟.
أيتها الرِّيحُ شُدِّي مَزَامِيرَكَ المُجْهِشَاتِ عَلَى الصَّخْرِ!
إنَّ النَّشِيجَ المُكَمَّمَ ما زال يَمْلأُ ثَغْرَ الرِّيَاحِ
وهذا خرير الدموع التي تَتَحَدَّرُ
عَبْرَ جِدَارِكَ يَا أَيُّهَا الأَمَدُ المُتَآكِلُ.

يَا أَيُّها الأَمَدُ المُتَآكِلُ
ماذا تَسَاقَطَ في جُبِّكَ المُتَفَاقِمِ ؟
فُوَّهَةِ الرَّيْبِ
مَاذَا تَسَاقَطَ في صَمْتِكَ المُتَربِّصِ
خَلْفَ شَوَاطِئِ هَذَا الضِّيَاءِ النحِيلِ ؟
وأيَّةُ شَمْسٍ سَتَنْشُر فَوْقَ دُجَاكَ مَنَادِيلها العَسْجَدَّيةَ ؟
أَيَّةُ شَمْسٍ سَتَغْرِسُ فِيكَ حِرَابَ السَّنَا
أيُّهَا البَحْرُ بَحْرَ الخَفَاءِ المُعَتَّمِ.
مَا زَالَ سِرْبُ الأَمَانِي المُحَسَّرِ يَقْرَعُ بَابَك
مَا زَالَتِ اللَّحظَاتُ السَّواغِبُ تَقْرَعُ بَابَكَ
فأقْرَعْ بِدَمْعِكَ هَذَا الوُجُوم المُحَجَّبَ
وأنْثُرْ تَبَارِيحَ هَذَ التُّرَابِ المُعَذَّبِ
هَذَا الرَّمِيمُ المُصَلَّبُ فَوْقَ صَفَاةِ الزَّمَانِ
صَفَاةِ الزَّمان المُغَطَّاةِ بالدَّمِ
والأَلَمِ الكَالِحِ القَسَمَاتِ
كُلُومِ الرِّقَابِ التي دَرَجَتْ تَحْتَ نِيرِ الزَّمَانِ.
أَهَذَا أَوَانُكِ أَيَّتُها البَذَرَاتُ ؟ 
فَيَا لَلْحَصَادِ حَصَادِ القُرُونِ المُصَرَّمِِ
يَا لَلْحقُول المُدَمَّاةِ
تِلْكَ الحُقُولِ التِي خَرَّقَتْهَا الدُّمُوعُ جَدَاوِلَ شَكْوَى
مُمَزَّقَةِ الصَّدْرِ
تَمْشِي الجَدَاوِلُ بَيْنَ حُقُولِ الجُرُوحِ
فَحَتَّى مَتَى سَيَظَلُّ قِطَارُ الزَّمَانِ المُفَجَّعِ
يَذْرَعُ صَحْرَاءَ هَذَا العَنَاءِ الكَلِيلِ ؟
وَحَتَّى مَتَى سَنَظَلُّ نُجرِّرُ أيَامنا في مَخَاضَة هَذا الأفُولِ ؟
وحَتَّى مَتَى سَتَظَلُّ شِفَاهُ المُنَى
تَتَجَرَّعُ خَضْخَاضَ هَذَا الشَّقاءِ العَلِيلِ ؟
وَحَتَّى مَتَى سَتُقيمُ الجُلُودُ المُعَرَّاةُ
تَحْتَ ارْتِعَاشِ السَّيَاطِ الوَبِيلِ ؟
وحَتَّى مَتَى سَتَظَلُّ المَوَاجِعُ تَمْتَدُّ
مِثْلَ طَريقٍ مِنَ الجَمْرِ قد رَصَّصَتْهَا القُرُوحُ ؟
وحتَّى مَتَى يَتَمَدَّدُ حَوْلَكَ هَذَا السُّؤَالُ الجَريحُ ؟.
لماذا، لماذا، لماذا، تظل بميسمها الدَّمَوِيِّ تدور نصالُ الفصولِ؟
لِمَاذَا تَعُبُّ صَوَادِي المُنَى حَنْظَلَ الوَجَعِ المُتَفَلِّقِ فِينَا ؟
لماذا تظلُّ سَلاَسِلُ لَيْلِ الجهات تُوَسْوِسُ أجراسَها حَوْلنا ؟
ألأِنَّ الصُّدُورَ التِي حَمَلَتْ حُلْمَهَا فَوْقَ حَدِّ المَنَاجِلِ
قَدْ دَفَنَتْ حُلْمَهَا فِي الرِّمَالِ ؟
وأَنَّ المَخَازِنَ لَمْ تَمْتَلِئْ فِي مَوَاسِمِهَا بِالغِلاَلِ ؟
وأنَّ الأكُفَّ التِي أَرْهَقَتْهَا الحِجَارَةُ
لَمْ يَأْوِهَا غَيْرُ ظلِّ القُبُورِ ؟
وأنَّ الرؤوسَ التي سَكَنَتْ تحت ظِلِّ الفُؤُوسِ
قد أنكفأتْ خَلْفَ ظلٍّ حَسِيرِ ؟
وأنَّ الوُجُوهَ التي لَوَّحَتْهَا الهَوَاجِرُ واليَأْسُ
مَا زَالَ يَلْفَحُهُنَّ الهَجِيرُ ؟
وأنَّ الرُّؤُوسَ التي تَنْحَنِي تَحْتَ وَطْء الصخورِ
لِكَيْ تَسْتَقِيمَ القُصُورُ ؟
وأنَّ قطيعًا مِنَ اللَّيْلِ مَا زَالَ يَزْحَفُ في مُومِيَاءِ العقول ؟
بماذا تجيب الجنادل ؟
بماذا تجيبُ الجَنَادِلُ ؟
عن هَمِّنَا الأخْرَسِ المُتَسَائِلِ ؟.
أيَّتُهَا الحِقَبُ المُشْرَئبَّةُ من ظُلُمَات الجنادلِ
مِثْلَ الصدى رَدَّدَتْهُ كُهُوفُ الأَصَائِلِ
إذ يستجيش وَرَاءَ المَلاَمِحِ
بَحْرٌ من اللَّمَحَاتِ
وَبَحْرٌ مِنَ الصُّوَرِ المُسْتَنِيمَةِ تَحْتَ شُفُوفِ الظُّنُونِ
وَبَحْرٌ مِنَ الأَلَمِ المُتَلاَطِمِ تَحْتَ ارتعاشِ الأَنَامِلِ
مَاذَا يُرِيبُكَ مِنْ لَيْلِ هَذَا السُّبَاتِ الأَحمِّ ؟
وَتِلْكَ الظَّلاَلُ التي تَتَمَلْمَلُ خَلْفَ الحِجَارَةِ مِثْلَ الدَّبِيبِ الأَصَمِّ ؟.
وَهَلْ تُمْسِكُ الرَاحَتَانِ المُرَبَّتَتَانِ عَلَى الصَّخْرِ
إلاَّ عَنَاقِيدَ مِنْ أَعْيُن طامساتٍ
وَأَقْنِعَةٍ تتطلَّعُ مِنْ ظُلْمَةِ الصَّخْرِ
أم تُدْرِكُ النَّطَرَاتُ التي تَسْبُرُ الصَّخْرَ
غَيْرَ الجَوَى المُتَجَهِّمِ في الصَّخْرِ؟
فَأرْفَعْ إشَارَاتِكَ الأَخَوِيَّةَ نَحْوَ حفيفِ السُّهَاد البَعِيدِ
وَقَبِّلْ جِرَاح الذينَ رَمَوْا تَحْتَ وَطْءِ الجَنَادِلِ
أَرْوَاحَهُمْ في سُكُونِ الجَنَادِلِ
فَامْتَزَجَتْ فِي السُّكُونِ بِرُوحِ الجَنَادِلِ
قَبِّلْ جِراحَ اليَدَيْنِ
وقَبِّلْ شُعَاعَ الدَّمِ المُتَوَهِّجِ في الصَّخْرِ
أَيَّتُهَا الحُفَرُ الدَّمَوِيَّةُ
أَيَّتُهَا النَّبَضَاتُ الجَريحةُ
أَيَّتُهَا الأَذْرُع الخَافِقَاتُ بِلَيْل الأَعاصِيرِ
مُدِّي إليَّ حَبَال الصَّدَى الآبداتِ
وَعَنْ نَبْعِكِ المُدْلَهِمِّ أَزِيحي غِطَاءَ الجَنَادِلِ
مُدِّي إليَّ بِغُصْنِ الضياء النَّقِيِّ
لكي أَتَوَغَّلَ عَبْرَ ظلام الصُّخُورِ
لكي أسْتَشِفَّ ضَبَابَةَ هَذَا الجَوَى المُتَرَسِّبِ في الصَّخْرِ
هَذَا الجَوَى المُتَلَهِّبِ مُنْبَجِسًا مِنْ شُفُوفِ الظَّلاَمِ
وَبَيْنَ سُطُورِ الصُّخُورِ
كأنَّ اصْطِفَاقًا يَجِيشُ إلى الضَّوْءِ مِنْ خَلْفِ جُدْرَانِهَا الحَائلاَتِ
كَعَاصِفَةٍ مِنْ دَوِيٍّ وَنَحْلٍ
كَتَصْفِيقِ أَجْنِحَةٍ مِنْ نُحَاسٍ
كَلَيْلِ الحَرَائِقِ إذْ يَسْتَجِيشُ مِنَ الصَّخر بَحْرُ البَلاَبِلِ
فأرْفَعْ شْرَاعَ الهَوَاجِس عَبْرَ خِضَمِّ القُرُونِ القَوَاصِفِ
عَبْرَ خِضَمِّ الجَوَى
عبر أمواجه الشائلات
كأنَّ خِضَمًّا تَدَافَعَ مِنْ خَفَقَانِ الحِبَالِ
وَمِنْ غَلَيَانِ الجَوَانِحِ
والنَّظَرَاتِ الكَسِيرةِ
وَالأَوْجُهِ المُسْتَحِمَّةِ في مَوْجِ أَوْزَارِهَا
والظُّهُورِ التي وَسَّمَتْهَا خُدُوشُ الجَنَادِلِ
كَيْ تَشْرَئِبَّ بِأعْنَاقِها ذَرَوَاتُ المَعَابدِ
كَيْ تَسْتَرِيحَ إلَى الظلِّ أَرْوَاحُ آلِهَةِ الدَّمِ
مَا زَالَ كَاهِلُنَا مُثْقَلاً بِالمَعَاوِلِ
كَيْ يَمْلُسَ الصَّخْرُ تَحْتَ أَصَابِعِ آلهةِ الدَّمِ
كَيْ تَتَبَوَّأَ تِلْكَ العُرُوشَ التِي أقْتَلَعَتْ
قَبْلَ أَنْ تَتَبَوَّأَ فِيهَا
أُلُوفَ الأَظَافِرِ آلِهَةُ الدَّمِ
ثُمَّ أسْتَوَوا فَوْقَ هَذَا الرُّكَامِ
رُكَامِ العُصُورِ الذبيحةِ
ثُمَّ أسْتَوَى الجَنْدَلُ المُتَسَامِقُ.
يَا أَيُّهَا الجَنْدَلُ المُتَسَامِقُ
مَاذَا إذَنْ تَحْتَ أضْلاعِك الرَّاسِيَاتِ
وَمَاذَا وَرَاءَ الوُجُومِ المُطِلِّ مِن الصَّخْرِ مِنْ غَيْهَبِ المُنْتَهَى ؟
غَيْرَ أَجْرَاسِ عَاصِفَةٍ مِنْ لَهِيبِ السَّيَاطِ
وإلاّ وَساوِسَ نَهْرِ الأنين المُعَتَّقِ
يَجْرِي هَنَا تَحْتَ أضْلاَعِكَ الرَّاسِيَاتِ
وإلاَّ عُيُونَ القُرُونِ البَوَاكي تُطِلُّ مِنَ الصَّخْرِ
والزَّفَرَاتِ الحَبِيسَةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السِّيَاطِ وَوَطْءِ السَّلاَسِل
والعَبَرَاتِ التِي بَلَّلَت رَمْلَ هذا الشقاءِ
وإلاَّ اخْتِلاَجَ الجُفُونِ المُسَهَّدِ تَحْتَ ارْتِجَاجِ المَعَاوِلِ
يَا أَيُّهَا الجنْدَلُ المُتَسَامِقُ
كَيْفَ أسْتَوَتْ دَرَجَاتُكَ فَوْقَ عَجِينَةِ هَذَا الجَوَى ؟.
لـمـن تصهر الرّوح ؟
لمن تُصْهَرُ الرُّوحُ نَهْرًا مِنْ الأَلَمِ المُتَدَفِّقِ فَوْقَ سُفُوحِ القُرُونِ ؟
لِمَنْ يُسْحَقُ الوَرَقُ المُتَهَافِتُ ؟
أَوْرَاقَ دُنْيَاكِ أَيَّتُهَا السَّرْحَةُ البَشَرِيَّةُ
يا قَطَرَاتِ النَّدَى المُتَسَاقِطِ فَوْقَ اللَّهِيبِ
لِمَنْ كُلُّ هَذَا العَنَاءِ المُمُدَّدِ في ظلِّكِ الشَّفَقِيِّ ؟
يُمَدِّدُ أَسْمَالَهُ الدَّامِيَاتِ عَلَى أُفْقِنَا الحَجَرِيِّ
أَمِنْ أَجْلِ أَنْ تَسْتَتِيهَ الجَمَاجِمُ في كِبْرِيَاء العَواصِفِ
تَدْمَى جُلُودُ القُرُونِ ؟
وَأَنْ يَخْمُدَ التّوْقُ مُخْتَنِقًا في لَفائِفِ هَذَا السَّدِيم الدِّعَائيِّ ؟
أَنْ يَغْرَقَ الأَمَلُ المُتَرَنِّحُ في هَذَيَانِ الشِّعَارَاتِ ؟
أن يَغْمُرَ السُّنْبُلُ الهَمَجِيُّ سَمَاءَ الحَقائِقِ ؟
يَا أَيُها السُّنْبُل المُتَخَايِلُ فَوْقَ الرُّبَى الدَّمَوِيَّةِ
يا سُنْبُلَ الظلم 
حَتَّامَ تَمْتَدُّ في غَوْرِ مُسْتَنْقَعَاتِ الظَّلاَمِ عُرُوقُكَ ؟
حَتَّامَ تَمْتَدُّ في غَوْرِ هَذا الضَّنَى الأزليِّ ؟.
نـشــيد الـضـفـاف
أَلأِنِّي أَحُبُّ احْتِضَانَ الصدى الْمُتَوَلِّهِ
مِنْ هَمِّنَا الأَبَدِيِّ الشَّرُودِ
صَدَى الغَسَقِ الأَوَّلِيِّ
صَدَى الوَجَعِ المُتَمَاسِكِ في الغَسَقِ الأَوَّليِّ
صَدَى نَبْضِهِ المُتَوَغِّلِ بَيْنَ العُرُوقِ وَبَيْنَ الجُذُورِ
صَدَى النُّسْغِ في خَفْقِهِ المُسْتَسِرِّ البَعِيدِ
حَفِيفِ البِدَايَاتِ أجْرَاسِهَا المُسْتَهِدَّةِ
إذ مَاجَ فِيهَا شُعَاعُ الحَنِينِ
صَدَى الإصْبَعِ المُتَشَبِّثِ بِالصَّخْرِ
حَتَى أَنَاجِيَ في الصَّخْرِ لَمْسَ البَنانِ البَعِيدِ
صَدًى غَامضٍ كالتماع النُّجُومِ
صدى الكَلِمَاتِ التي التَبَسَتْ بالسَّدِيمِ
لهذا الصدى المُتَبَجِّسِ مِنْ غَيْهَبِ الدَّمِ مِنْ سُرَّة الأَرْضِ
هَلْ جِئْتَ مِنْ بَابِهَا المُتَألِّقِ ؟
من بابِ مِصْرَ ؟
فَيَا بَابَهَا المُتَفَتِّحَ عَنْ لُؤْلُؤ اللَّحَظَاتِ السَّحِيقَةِ
والذَّكْرَيَاتِ المُغَطَّاةِ بِالخِرقِ الدَّامِيَاتِ
وَفَوْقَ المَرَائي لُفَافَاتُ هَذا الضمادِ العتيقةِ
تخْفِقُ فَوْقَ المرائي
وَهَذَا الأديمُ المُجَرَّحُ بالماءِ والدَّمِ
إن عُرُوقَ الصُّخورِ صُخُورِ البِدَايَاتِ
تَرْسُو بهذا الأديم المُجَرَّحِ
تَرْسُو الصُّخُورُ
هُنَا تَتَصَاعَدُ في أوْجِهَا الذِّكْرَيَاتُ
شِدَادًا وشاهقةً مِثْلَمَا يَتَصَاعَدُ بُرْجٌ مِنَ الصَّخْرِ
دَعْنِي سَأعبُرُ هَذِي المَدَاخِل
إنِّي سَأَصْعَدُ تِلْكَ الصُّخُورَ
صُخُورًا مِنْ العَزْمِ والدَّمِ والعَرَقِ المُتَدَفِّقِ
هَذَا السنَاءُ المُمَرَّدُ
تِلْكَ الصُّخُورُ التي أَسْندَتْهَا إلى النَّجْمِ
مِنْ طِينَةِ الخُلْدِ كَفُّ الطُّمُوح العنِيدِ.
فَيا قِمَّةً تَتَلَبَّسُ فيْءَ غَمَائِمِهَا المُسْتَظِلَّة مِنْ وَارِفِ الغَيْبِ
تِلْكَ الصُّخُورُ التِي تَتَطَاوَلُ في سَرْمَدِيِّ السُّمُوقِ.
فَمَاذَا تُضِيءُ المَشَاعِلُ غَيْرَ الأَيَادي التِي حَمَلَتْ صَخْرَهَا
وأنْحَنَتْ تَحْتَ هَدِّ المَعَاوِلِ سَاعَاتُهَا ؟
أم تُضِيءُ المَشَاعِلُ غَيْرَ النَّجِيعِ المُطِلِّ عَلَى السَّفْحِ ؟
إنَّ سُفُوح الزَّمَانِ مُضَرَّجَةٌ بخُطَى الغَابِرِينَ
بِهَذَا الدَّمِ المُتَصَاعِدِ
مِثْلَ سَلاَسِلَ لاَمِعَةٍ تَتَدَلَّى مِنَ السَّقْفِ
في حُلْمِنَا السَّرْمَدِيِّ.
فَكَمْ بَعُدَ السَّقْفُ
يَا سَقْفَ هَذِي الصُّخُورِ
فَمِنْ ظِلِّكَ البَدْءِ
تَخْتَلِطُ الذِّكْرَيَاتُ مَعَ الطَّمْيِ في رَحِمِ البدْءِ
مِنْ قَبْلِ أنْ يُغْرِبَ اللَّوْنُ في اللَّوْنِ مُرْتَحِلاً في الفُصُولِ
وَمِنْ قَبْلِ أن يَيْنَعَ الطِّينُ أو يَيْنَعَ المُسْتَحِيلُ
وَمَنْ قَبْلَ أنْ يَيْنَعَ اللَّمَعَانُ المُهَفْهَفُ
مُنْسَرِبًا في شُفُوفِ الزُّجَاجَةِ
إن رَنِينَ الكُؤُوسِ البَعِيدَةِ يَعْبُر هَذَا المَدَى المُسْتَطِيلَ
مِنَ البَدْءِ لِلسَفْحِ
هذا الرنين المُضَرَّجُ بِالدَّمِ
مِنْ صَرْخَةِ الفَرَحِ المُسْتَهِلِّ
وحتى هُتَافِ الطُّمُوح الولِيدِ
مِن الدّم لِلدَّم يَعْبُر هذا الحَنِينُ الطَّوِيلُ.
ولكنني كنت أعبر
ولكنني كنتُ أعْبُرُ جُرْحَ المَسَافَاتِ في عُنْفِهِ المُسْتَبِدِّ
وأُصْغِي لِهَذَا الهُتَافِ المُلَطَّخِ بالطِّينِ وَالوَحْلِ
هَلْ تَسْمَعُ النَّبَضَاتِ العَمِيقَةَ فِي جُرْحِنَا
في الهُتَافِ المُرَقْرَقِ مِنْ فَجَوَاتِ القُرُونِ
وَبَيْنَ خُيُوطِ الدَّمِ المُتَنَاثِرِ
إنَّا نَثَرْنَا مَعَ الدَّمِ في الرِّيحِ أشْلاَءَنَا
وانْتَثَرْنا
أَمَا زِلْتَ يَا أيُّهَا الحُلْمُ رَيَّانَ مِنْ دَمِنَا ؟
في اشْتِعَالِ المَسَافَاتِ تَحْتَ الخُفُوقِ
خُفُوقِ النَدَاءِ المُثَوِّبِ
مَا بَيْنَ ذَاكَ الهُتَافِ البَعِيدِ
وَهَذَا الهُتَافِ الجَدِيدِ
ولكنني كنت أجتاز
وَلَكِنَّنِي كُنْت أجْتَازُ نَهْرًا مِنَ الوَجْدِ وَالوَرْدِ
والأَلَقِ المُتَبَلِّجِ مُرْتَعِشًا بالنَّدَى
ذِي الحَبَابِ المُشَعْشَعِ مِنْ أَرْجُوَانِ الضِّيَاء الوَلِيدِ
كأَنَّ انْبِجَاسًا مِنَ الضَّوْءِ يَنْشُرُ في عَتْمَةِ الرُّوحِ أطْنَابَهُ
حِينَ كَانَتْ شَوَارِعُكِ الطَّامِيَاتُ
تُزَحْزِحُ عَنْ سَرِّهَا المَدْلَهِمِّ
غَلاَئِلَ مِنْ شَفَقٍ وجُمُوحٍ .
كَأَنَّ البَرِيقَ المُشَوَّشَ يُشْعِلَ ذَاكِرَتِي
فَتَمُوجُ بأَطيافِها مِثْلَ يَمٍّ
تَقَاذَفَ فِيه الدُّجَى وَالنُّجُومُ
حُطَامًا من المَوْجِ والضَّوِءِ
إنَّ بَرِيقَ النَّوَافِذِ مَا زَالَ مُنْهَمِرًا بالغِنَاءِ المُرَوَّقِ
مَا زَالَ مُنْهَمِرًا فِي الرِّيَاحِ خِلاَلَ النَّوَافِذِ
نَبْعُ الغِنَاءِ الزُّلاَلِ الرَّفِيقِ
وَمَا زَالَ مُنْهَمِرًا فِي النَّوَابضِ
في خَلَحَاتِ الدَّمِ المُتَحَفِّزِ
في شَوْقِنَا المُسْتَفِزِّ الجَمُوحِ.
فــإما أستمعت
فَإمَّا أسْتَمَعْتَ
فإنَّ حَفِيفَ السُّتُورِ يُغَنِّي
لأِفْيَاءِ هَذَا الزَّمَانِ المُعَتَّقِ
هَذَا الحَفِيفُ الأجَشُّ
كَنَهْرٍ تَمَلْمَلَ مُنْدَفِعًا مِنْ شُعَاعٍ وَوَرْدٍ
تَمَلْمَلَ مُنْدَفِعًا في الشَّعَابِ الطَّوَامِسِ بَيْنَ خَوَالجِنَا.
إن بَحْرِي لَمُصْطَفِقُ الجَنَبَاتِ بِهَذَا الهُيَامِ المُطَرَّبِ
من لُجَّةِ الرُّوحِ جَاشَ الهُيَامُ المُطَرَّبُ
إذْ قَبَّلَتْ قَدَمَايَ نَدَى الأرْضِ
إنَّ الدَّبِيبَ المُكَهْرَبَ يُرْعِشُ أَقْطَارَ صَمْتِي.
أَمِنْ طَرَبٍ تَنْـثُرُ الأرْضُ رَقْصَتَهَا في حُمَيَّا الدَّمِ المُتَوَهِّجِ.
مِنْ طَرَبٍ تَرْقُصُ اللَّحَظَاتُ
كَشَلاَّلَةٍ مِنْ شَذًى وَفَرَاشٍ.
فَجِئْتُ وَحَوْلِي أَعَاصِيرُ شَوْقِي
فَقَدَّمْتُ طُوفَانَ قَلْبي
دَمًا نَازِفًا
واشْتِعَالاً حَنِينًا
وَصَدْرًا سَيَمْلأُهُ الغَيْمُ مِنْ مَاءِ نَهْرِكِ
يَا ماءَ نَهْرِكِ
يا للرُّوَاءِ المُبَتَّلِ
نَهْرِ الجُذُورِ
سَيَمْلأُنِي مِنْ حَنَانٍ وَخَمْرٍ
سَيَمْلأُنِي مِنْ جَفَاءٍ وَوَجْدٍ
سَيَمْلأُنِي مِنْ غَمَامٍ وحِبْرٍ
سَيَمْلأُنِي مِنْ غِنَاءٍ وَزَهْرٍ
مِنَ الشَّجَنِ المُتَآكِلِ في الضِّفَّتَيْنِ
تآكَلَ هذا الزمانُ
تآكل في الماءِ زَهْرُ الضِّيَاءِ
تآكل في الماء زَهْرُ السَّمَاءِ
وقَلْبِي تآكل مُحْتَرِقًا
مِنْ حُزَيْرَانَ حتَّى حُزَيْرَانَ
مَرَّ الزَّمَانُ بَطِيئًا
فَيا صَدَأَ الأَمَلِ المُتَآكل
مَرَّتْ ذُيُولِ اللَّيَالِي عَلَى صَدَأ الأَمَلِ المُتَآكلِ
مَرَّتْ
وَأَنْتَ تُرَاقِبُ مِنْ شُرْفَةِ اللَّحَظَاتِ
ومن لحظات النَّوَافِذِ
والْوَقْتُ يَنْسُجُ أَهْدَابَهُ للنباتِ
ويَنْثُرُ ألْوَانَهُ فِي خُدُودِ البناتِ
وأنتَ تُرَاقِبُ
كيف أسْتَحَالَتْ وُرُودُ البناتِ ؟
وُرُودُ النوافذِ والزَّهَرِ المُتَطَلِّعِ مِنْ وَجَنَاتِ الضِّيَاءِ ؟
وكَيْفَ سَتَذْهَبُ ؟
أنَّى سَتَذْهَبُ أَهْوَاؤُكَ الهَائِمَاتُ وَرَاءَ الضَّيَاءِ ؟
وَكَيْفَ أُعَانِقُ ظِلَّ الرُّؤَى الخَائِبَاتِ ؟
وَكَيْفَ أُعَانِقُ هذَا الهَجِيرَ المُطَنَّبَ فِي أُفْقِ أَهْوَائِنَا الغَائِمَاتِ ؟
فَظَلِّلْ هَوَاكَ بِغُصْنِ الرَّجَاءِ المُمَزَّقِ
إنِّي أُلَفِّفُ حُزْنِي
أُلَفِّفُهُ بَيْنَ أسْمَالِ هَذَا النهار المُخَرَّقِ
بَيْنَ الدُّجَى خَطْوِهِ المُتَثَاقِلِ
بَيْنَ شُحُوبِ الرَّصِيفِ المُفَجَّعِ
بَيْنَ الجَوَى المُتَبَجِّسِ مِنْ خَافِقِ الأرْضِ
أَصْغِ إلَى الأرْضِ
أصْغِ لأِحْشَائِهَا الوَاجفَاتِ
لِصَمْتِ الأزِقَّةِ فِي اللَّيْلِ
هَذَا السُّكُوتُ المُدَمَّى
كَصَدْرٍ تَدَافَعُ فِي ليله عَاصِفَاتُ الهَوَاجِسِ.
لا شيء
لاَ شَيْءَ يَمْسَحُ عَنْ لَيْلِكَ المُتَلَبِّدِ
غَيْمَ الأَسَى المُتَوَحِّشِ
لا َكَفَّ تَطْرُقُ بَابَ الغِيَابِ
كأنَّ الوُجُوهَ
كأَنَّ العُيُونَ
مُصَفَّحَةٌ فِي الزُّجَاجِ المُصَفَّحِ.
كـيــف
كَيْفَ اسْتَحَارَتْ ؟
وأنَّى تَحُورُ مَساَلِكُ تِلْكَ الدُّرُوبِ المُعَمَّاةِ ؟
أَمْ كَيْفَ ظَلَّتْ خَطَى اللَّحَظَاتِ ؟
مُوَلَّهَةً فِي مَيَادِينِهَا الحائِرَاتِ
فيَا لَلنَّهَارِ المُمَدَّدِ مِنْ فَوْقِنَا
ظُلَّةً مِنْ رَصَاصٍ وَرَيْبٍ وَنَارٍ.
ولكـنــني
وَلَكِنَّنِي رَغْمَ تِلْكَ الدُّرُوبِ المُعَمَّاةِ
كُلِّ الدُّرُوبِ التِي أَلْهَبَتْ فِي الحَشَى نَصْلَهَا المُتَجَهِّمَ
رَغْمَ مَدَاخِلِكِ الكَابِيَاتِ
وَرَغْمَ مَدَاخِلِكِ الجَافِيَاتِ
ورَغْمَ اللَّيَالِي المُوَشَّاةِ بِالضَّوْءِ والسُّهْدِ
تَطْرُدُ عَنْ لَيْلِ أَجْفَانِنَا رَعْشَةَ النَّوْمِ والحُلْمِ
رَغْمَ الشَّوَارِعِ تَمْتَدُّ مِثْلَ الجَدَاوِلِ
سَوْدَاءَ فِي البُعْدِ
تَمْتَدُّ فِي سَيْلِهَا المُتَرَنِّحِ
رَغْمَ الزِّحَامِ المُكَبَّلِ مُصْطَفِقَ الغَمَرَاتِ
تَمَوَّجَ فِيهِ الضجيجُ
تَمَوَّجَ فِيهِ خِضَمُّ الوُجُوهِ
تَمَوَّجَ فِيهِ خِضَمُّ الحَدِيدِ
تَمَوَّجَ فِيهِ خِضَمُّ الهَوَاجِسِ
رَغْمَ التَلَوُّثِ يَنْبثُّ فِينَا ثقوبًا مِنَ الرَّيْبِ
ماذا يُرِيبُكَ خَلْفَ الثُّقُوبِ ؟
سِوَى أعْيُنِ اللَّيْلِ مَاذَا يُرِيبُكَ ؟
رَغْمَ الضَّبَابِ المُوَشَّحِ بالفَجْرِ
رَغْمَ العُيُونِ مُبَلَّلَةً بِالدُّمُوعِ
مُبَلَّلَةً بالسَّنَاجِ المبلَّلِ
رَغْمَ الأكُفِّ التِي أشْعَلَتْ وَمَضَات الجِرَاحِ
وَرَغْمَ الجِرَاحِ
فَإِنِّي لِمَجْدِكِ
لِلنَّارِ لِلحَجَرِ الوَاجِمِ المُتَوَقِّدِ
للسُّنْبُلِ المُتَبَتِّلِ تَسْتَنُّ أَمْوَاجُهُ فِي بَرِيقِ الضُّحَى
لائْتِلاَقِ المَنَاجِلِ
لِلْغَزَلِ المُتَخَافِتِ تَحْتَ غُصُونِ الضِّفَافِ ضِفَافِ الأَصَائِلِ
لِلحُلُمِ النَّاضِجِ المُتَهَلِّلِ
لِلأرْجُلِ الدَّامِيَاتِ الشُّقُوقِ
لأَكْتَافِكِ المُجْهَدَاتِ التِي حَمَلَتْ
ظِلَّ هَذَا العَنَاءِ عَنَاءِ القُرُونِ المُضَمَّدِ
لِلكَرْمِ فِي صَمْتِهِ الدَّاكِنِ المُتَهَدِّلِ ذِي الرَّوْنَقِ المُزْدَهِي
للدُّجَى فِي سَلاَمِ الدَّوَالِي
لِتِلْكَ اليَدَيْنِ المُلَوَّثَتَيْنِ مِن الزَّيْتِ والطِّينِ
لِلعَرَقِ المُتَفَصِّدِ تَحْتَ دُخَانِ المَصَانِعِ
لِلْوَهْجِ وَهْجِ النَّهَارِ المُقَطِّبِ
للبَدْرِ فِي نُورِهِ المُتَحَلِّبِ فِي النَّهْرِ في زَوْرَقِ العِشْقِ
إنِّي إلَيْكِ
وللشَّمْسِ فِي صَحْوِكِ المُتَلأْلِئِ
أرْفَعُ هَذَا النَّشِيدَ المُوَلَّعَ
زَهْرَةَ هَذَا الحَنِينِ المُعَنَّى.
هل أمد على ثراكِ عروق أحلامي ؟
مُمْتَدَّةٌ كَقَوَامِ فَاتِنَةٍ
شَوَاطِئُكِ التِي خَطَّتْ مَعَالِمَهَا بَنَانُ المَاءِ
والرِّيحُ التِي يَحْكِي دَوِيُّ هَزِيزِهَا لَحَظَاتِ ثَوْرَاتِ الزمانِ
عَلَى امْتِدَادِ أَدِيمكِ المَوْسُومِ مِنْ نَارِ النِّضَالِ
فَيَا مَدَى خَفَقَانِ أَجْنِحَةِ الحَنِينِ
إلى فُرُوعِ التَّوْقِ فِي قِمَمِ المُحَالِ
ويا وَجِيفَ فُؤَادِ نَفْسٍ تَرْتَمِي فِي نَفْنَفِ الإِخْفَاقِ
في أمَدٍ به انْتَكَبَتْ صُخُورَ الخَيْبَةِ الصَّمَّاءَ
في ذَاكَ المَسِيرِ الدَّامِسِ الجَنَبَاتِ
فِي أُفُقٍ تَلَبَّسَ ظِلَّ أَهْدَابِ الدُّمُوعِ
ويا نُثَارَ الزَّهْرِ زَهْرِ الفَوْزِ تَلْقَفُهُ الأَيَادِي بالدَّمُوعِ
أَلَمْ تَكُنْ مَرَّتْ هُنَا تِلْكَ الخُطَى العَرَبِيَّةُ الأُولَى ؟
لِتَعْبُرَ لَيْلَ هَذَا الدَّرْبِ في ذَاكَ الشِّتاءِ
إلى ربيع وُجُودِنا البَشَرِيِّ فَوْقَ الأَرْضِ
حَيْثُ امْتَدَّ سَلْسَالُ الشُّعَاعِ
لِيَسْتَبِينَ سَبِيلَنَا في تيهها الشَّتْوِيِّ
مَرَّتْ هَهُنَا مِنْ فَوْقِ هَذَا الرَّمْلِ
أَوْ مِنْ فَوْقِ هَذَا الصَّخْرِ
وأنْتَشَرَ الشُّعَاعُ عَلَى أغَانِي المَوْجِ تَشْرَبُه الغَيَاهِبُ
أَوْ عَلَى أُغْنِيَّةٍ ذَهَبَتْ مَعَ البَيْدَاءِ تَحْمِلُهَا الرِّيَاحُ
فَلَمْ يَزَلْ في الأرضِ ما يَرْوِي الشُّعَاعُ
وَلَمْ تَزَلْ تُحْيِي مَشَاعِلَهَا الدُّمُوعُ
وَلَمْ يَزَلْ للشمس أن تَمْتَدَّ مِنْ أُفُقِ الجِبَالِ
عَلَى الضِّفَافِ المَغْرِبِيَّةِ
لَمْ يَزَلْ لِلشمْسِ أن تَمْتَدَّ حَيْثُ تَنَاثَرَ الزَّمَنُ الهَشِيمُ
لِيَنْبُتَ الزَّمَنُ الجَدِيدُ مِنَ الهَشِيمِ
كما تُجَدِّدُ مِنْ أَدِيمِ الأرْضِ دَوْرَتَهَا الفُصُولُ.
لَقَدْ طَرَقْتُ
وفي اليَدِينِ صَبَابَةٌ مِنْ بَابِكِ الشَّرْقيِّ
إذْ تَتَلَفَّعِينَ رِدَاءَكِ الصيْفِيَّ
مُمْتَدًّا بِصُفْرَتِهِ الوَدُودِ عَلَى مَفَاتِنِكِ الفَتِيَّةِ
دُرُّةٌ لَمْ يَخْتَرِقْهَا مِثْقَبُ الزَّمَنِ الغَوِيِّ
كَأَنَّمَا مَرَّ الزمانُ ـ وَلَمْ يَمُرَّ ـ عَلَى مُخَلَّدَةِ الفُتُوَّةِ
دُرَّةٌ تَتَعَانَقُ الأَلْوَانُ والأبْعَادُ فَوْقَ صَفَائِهَا الشَّمْسِيِّ
لَمْ يَكْسِرْ بَرِيقَ صَفَائِهَا الشَّمْسِيِّ تَيَّارُ العَمَاءِ
بِمَا تُثِيرُ مِنَ الزَّوَابِعِ مِنْ حَوَافِرِهَا القُرُونُ
أَلَمْسَة الشَّمْسِ التي صيغَتْ على ذَهَبِ الزَّمَان
وَرَنَّة مِنْ عَبْقَرِيِّ النَّبْضِ في وَتَرِ السَّلاَمِ
شُعَاعُهَا وَرَنِينُهَا مَزْجٌ تَرَقْرَقَ في قَوَارِيرِ السَّنَا.
عَانَقْتُ لَيْلَ ضِفَافِهَا الفِضِّيِّ
وائْتَلَقَتْ بِلَيْلِ الصَّمْتِ لُؤْلُؤَةُ الحَنِينِ
ولَفَّفَتْنِي مَوْجَةٌ مِنْ سُنْدُسِ الظَّلْمَاءِ في أحْضَانِ لَيْلِكِ
وَاسْتَنَامَ الجُرْحُ أنْ فَتَحَتْ حَدَائِقَهَا النُّفُوسُ
فَدَبَّ في سَهَرِ الجُرُوحِ سُلاَفُهَا الغَيْبِيُّ
تَنْثُرُهُ رِيَاضُ الغَيْبِ في أرَجِ الكُؤُوسِ
دَبِيبُهَا يَنْسَابُ في الأسَفِ السَّحِيقِ
كَأَنَّمَا غَلَلٌ تَسَلْسَلَ بَيْنَ أَيْكِ هَوَاجِسِي.
قَدْ كُنْتِ لُؤْلُؤَةَ الحَنِينِ
فمن يَقُودُ خُطَى الحَنِينِ
عَلَى شِعَابِكِ بَعْدَ أَنْ جَابَ الزَّمَانُ بِهِ مَتَاهَاتِ الأَسَى
حَلَّتْ ضَفَائِرَهَا السَّحَابُ
عليكِ أَيَّتُهَا الشِّعَابُ
فَلَوْ فَتَحْتِ رَحِيبَ صَدْرِكِ لي
وَظَلَّلْتِ السَّمَاءَ عَلَيَّ مِنْ سُحُبِ الحَنَانِ
وَهَلْ أَمُدُّ عَلَى ثَرَاكِ
عُرُوقَ أَحْلاَمِي التي عَنْ أُفْقِهَا أنْحَسَرَ الغَمَامُ ؟
وَهَلْ تُعَرِّشُ فِيكِ أَغْصَانُ النَّشِيدِ ؟
وَيَسْتَرِيحُ عَلَى مَنَاكِبِكِ الهُيَامُ ؟
لتقرعوا الكأس
لَمْ يَبْقَ إلاَّ النَّجِيعُ المُرُّ وَالَعَلَقُ
وَلَهْفَةٌ في ضَمِيرِ اللَّيْلِ تَأْتَلِقُ
لَمْ يَبْقَ إِلاَّ رَذَايَا اليَأْسِ مَائِجَةً
بِهَا الشَّوَارِعُ والأَبْوَابُ والأُفُقُ
لَمْ يَبْقَ إلاَّ حَزَازَاتٌ وَمَظْلَمَةٌ
وَأَعْيُنٌ يَمْتَرِي أَنْدَاءَهَا الشَّفَقُ
لَمْ يَـبْقَ إلاَّ حُشَاشَاتٌ مُرَمَّضَةٌ
أنَضَاءَ هَمٍّ بَرَى أشلاَءَهَا القَلَقُ
هَلْ مِنْ سَبِيلٍ ؟ وقَدْ غَامَت مَنَاظِرُهَا
في اليأس ؟. هَلْ من سبيلٍ ؟ سُدَّتِ الطُّرُقُ
واللَّيْلُ مِنْ عَرْبَدَاتٍ ليلُنَا قَدَحٌ
يَطْفُو به الشَّجَنُ المَجْرُوحُ والرَّهَقُ
وفي الخَوَافِقِ مِنْ أَغْوَارِنَا رَعَشٌ
من الشجُونِ وتَوْقٌ جَامِحٌ قَلِقُ
ولُجَّةٌ مِنْ هُمُومٍ جَاشَ قَاصِفُهَا
وَمَاجَ بِاللَّيْلِ في أمْوَاجِهَا الأَرَقُ
يَا حَسْرَةً أسْدَلتْ في الأفْقِ هَيْدَبَهَا
تَنْسَحُّ مِنْهَا على أحشَائِنَا الحُرَق
كَأَنَّمَا نَفَثَتْ مَوْتًا زَوَافِرُهَا
فَلاَ حَنِينٌ ولا نَبْضٌ وَلا أَلَقٌ
أَفِي الظِّلاَلِ شُرُودٌ مَا تٌظَلِّلُنَا ؟
أمْ فِي المَواطِئِ عَنْ أقْدَامِنَا زَلَقُ
هذا هُوَ الدَّمُ مَظْلُومًا ومُنْسَفِكًا
هَاتُوا الكُؤُوسَ وهَذَا اللَّحْمُ والعَرَقُ
لِتَقْرَعُوا الْكَأْسَ بِالأَنْخَابِ من دَمِنَا
لِتَقْرَعُوهَا لهذَا اللَّيْلِ واغْتَبِقُوا
ثم أمْزِجُوهَا بِهَذَا الدَمْعِ سَاخِنَةً
مُدَامَةَ الجُرْحِ إنَّ الجُرْحَ مُدَّفِقُ
ثُمَّ أشْرَبُوا ونُجُومُ اللَّيْلِ غَارِبَةُ
ومَنْظَرُ الوَطَنِ المَنْهُوبِ مُنْسَحِقُ
سُلاَفَةً مِنْ دَمٍ حَمْرَاءَ مِنْ وَطَنٍ
مُعَتَّقِ الجُرْحِ يَأْتِيكُمْ بِهَا الغَسَقُ
مَزَّقْتُمُوهُ فَفِي الأَظْفَارِ مِنْ دَمِهِ
مِثْلُ الخِضَابِ وفي أشْدَاقِكُمْ مِزَقُ
كَمْ تَرْقُصُونَ على أكْبَادِنَا طَرَبًا
ولَيْلُنَا مِنْ جَوَى الأَكْبَادِ يَحْتَرِقُ
يَا أَيُّهَا الغَضَبُ المَزْرُوعُ في دَمِنَا
سَقْيًا لِزَرْعِكَ مِمَا تَذْرِفُ الحَدَقُ
للهِ كَيْفَ اسْتَوَتْ واسْتَحْصَدَتْ نَضَجًا
سَنَابِلُ الغَضَبِ الحَمْرَاءِ تَصْطَفِقُ
لِلهِ هذا المَدَى المَغْمُورِ مِنْ لُجَجٍ
كالقَارِ يُزْجِي بِنَا في مَوْجِهِ الأَرَقُ
لاَ زَادَ إلاَّ حَنِينٌ في حَقَائِبِنَا
ونَثْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ مَزْجُهَا حَنَقُ
ورُبَّمَا لاَحَ في الأبْعَادِ مُلْتَمِعٌ
من الرَّجَاءِ خَفِيُّ اللَّمْحِ مُنْسَرِقُ
وَنَحْنُ في طَلَقٍ كالبَحْرِ نَذْرَعُهُ
في مَرْكَبِ الرَّوعِ أَنَّى يَنْتَهِي الطَّلَقُ ؟
وغَيْمَةُ الحُزْنِ مِنْ شتَّى مَطَالِعِهَا
مِنْهَا الرَّذَاذُ ومِنْهَا الوَابِلُ الغَدَقُ
لَطَالَمَا قد تجَرَّعْنَا مَرَارَتَهَا
طَوَافِحُ الكَأْسِ مِنْهَا كُلُّنَا شَرِقُ
مَتَى سَيَنْزَاحُ هذَا اللُّجُّ مُنْفَرِجًا
عَنِ الهُمُومِ مَتَى يُسْتَفْتَحُ الغَلَقُ ؟
لَمْ يَبْقَ إلاَّ النَّجِيعُ المُرُّ والعَلَقُ
ولَهْفَةٌ في ضَمِيرِ اللَّيْلِ تَأْتَلِقُ.
إلام يهدك الأسف المبرح ؟
إلاَمَ يَهُدُّكَ الأَسَفُ المُبَرَّحُ ؟.
أَيُّهَا الوَطَنُ الذِي تَتَقَلَّبُ اللَّحَظَاتُ
فَوْقَ لَهِيبِ جَمْرِ جِرَاحه الخَرْسَاءِ
في الأَغْوَارِ مِنْ لُجَجِ العَنَاءِ
مُغَلَّفًا بِمَحَارَةِ المَاضِي المُدَمَّى
كَيْفَ تَخْرَجُ مِنْ مَحَارَتكَ الكَفِيفةِ
أَيُّهَا الوَطَن المُضَامُ
مُرَزَّحًا لَبِدَتْ على أَثْقَالِك الأَثْقَالُ
فَأنْظُرْ
كَيَفْ تَنْحَدِرُ السُّفُوحُ إلى الظَّلاَمِ
إلى سدِيمِ الرَّيْبِ
هَلْ مَرَّتْ هَبَاءً حُزْمَةُ الآمَالِ ؟.
مِمَّا جَمَّعَتْهُ يَدَاكَ
مَرَتْ حُزْمَةُ الآمَالِ
إلاَّ خَيْبَة الحُلُمِ الذي
أَصْدَاؤُهُ كُتِبَتْ بِحِبْرِ الرِّيحِ فَوْقَ الرَّمْلِ والأَمْوَاجِ
هَلْ أَعْطَتْ يَدُ الزَّمَنِ الشَحِيحَةُ
غَيْر أَضْغَاثٍ مِنَ الحُلُمِ الشَّقِيِّ
وَغَيْرَ أَمْوَاجِ الضَّنَى ؟
كَيْفَ انْحَنَتْ خُطُوَاتُ حُلْمِكَ صَوْبَ غَوْرِ الهُوَّةِ العَمْيَاءِ
في المُسْتَقْبَلِ المَلْغُومِ
مِنْ مُتَفَجِّرَاتِ الحِقْدِ والأَضْغَانِ
مِنْ مُتَفَجِرَاتِ الظُّلْمِ والغَضَبِ المُكَبَّل تَحْتَ كُثْبَانِ الجَوَى ؟
يَا أيُّهَا المُسْتَقْبَلُ الملغومُ
إنَّ أمامَنَا يَمْتَدُّ في رَجْرَاجَةِ الأَطْرَافِ
لا نورٌ
ولا سُبُلٌ
وإنَّ وراءَنَا خَفَقَتْ سِيَاطُ الرِّيحِ
لاَسَنَدٌ ولا أَمَلٌ.
فَهلْ ما زَالَ في الأَوْجَاعِ مُنْتَجَعٌ لأَنْيَابِ السِّيَاطِ
فَمِنْ سِيَاطِ العَسْكَرِيِّ
إلى سِيَاطِ التَّاجِرِ الهَمَجِيِّ
يَنْـثُرُ في النُّفُوسِ فَحِيحَهُ المَوْبُوءَ
يَنْـثُرُهُ
فقد صَدِئَتْ من الكَدَرِ النُّفُوسُ
ومن سياط العسكريِّ
إلى سياط المُسْتَبِدِّ
إلى سياط الخطة العَمْيَاءِ
كَيْ يَمْتَدَّ في الأَمَدِ الحزينِ عِنَادُ هذي السُّوقِ
كَيْ يَمْتَدَّ فَوْقَ الجُوعِ والدِّمِ والدُّمُوعِ عِنَادُهَا الأعْمَى
لِتَشْتَعِلَ الشَّوَارِعُ من لَظَى التَّرْفِيهِ
فَوْقَ أَنِينِ مُرْتَكَمٍ مِنَ الأشْلاَءِ مِنْ بَأْسَائِنَا الرَّزْحَى
لِتَفْتَرَّ المَتَاجِرُ عَنْ مَفَاتِنِهَا
لأَرْبَابِ الرِّبَا المُتَسَلِّقِينَ جِدَارَ هَذَا البُؤْسِ
نَحْوَ مَرَاتِعِ الظَّلْمَاءِ فَوْقَ شَقَائِنَا الدَّامِي
ومَصَّاصِي الدِّمَاءِ
مِنَ الذين يُبَدِّدُونَ رَجَاءَنَا
وَعَنَاءَ أظْهُرِنَا
لِكَيْ يَرْمُوهُ في فَضَلاَتِ حَفْلَةِ لَيْلَةِ العامِ الجَدِيدِ
من الذين يُخَرِّقُونَ حَنِينَنَا
مَنْ مَزَّقُوا قَسَمَ الدِّمَاءِ
ولَمْلَمُوا غَدَنَا
لِكَيْ يَضَعُوهُ في سُوقِ النِّخَاسَاتِ الجَدِيدَةِ
كَيْفَ تَخْرُجُ أَيُّهَا الوَطَنُ المُكَبَّلُ بالرَّزَايَا ؟
كَيْفَ تَخْرُجُ مِنْ مَخَاضَةِ هذِه الأَوْحَالِ ؟
في الحُفَرِ البلِيدةِ تَرْبُضُ الآلاَمُ مِنْ لَحَظَاتِكَ الكَسْلَى
وَيَرْبُضُ فَوْقَكَ الإعْدَامُ
والشَلَلُ الظَّلاَمِيُّ الكَلِيلُ
وتَرْبُضُ الأَغْلاَلُ والكَسَلُ المُنَقَّعُ
والأَسَى المُتَهَرِّئُ الأَرْجَاءِ
في مُسْتَنْقَعِ الظُّلُمَاتِ
تَخْمُدُ جَذْوَةُ النَّزَعَاتِ
قَدْ جَفَّتْ يَنَابِيعُ الحَنِينِ فَلاَ حَنِينَ
وقد تَخَاذَلَتِ الخَوَافِي أَنْ تَنُوءَ بِهَا قَوَادِمُهَا
فَأَيْنَ إذنْ يَؤُولُ بِكَ المَدَى
مِنْ بَعْدِ مَا انْطَمَسَ المَدَى ؟
أَم أَيْنَ تَحْمِلُكَ الخُطَى
مِن بعد ما انْتَفَتِ الخُطَى ؟.
ولد ببانه أبو شجة
من مواليد تكانت، عام 1965.
درس العلوم الشرعية واللغوية في المحظرة.
درس الآداب في جامعة نواكشوط.
حاصل شهادة المتريز في الأدب العربي.
لم يطبع ديوانا حتى الآن.
دم الياقوت
أخذت الكاس عـن قدحـي سليمـــــى
غــديــة بــرهــة الــزمــن الـهــديــل
غــديــة راقـــــت الأشــيـــاء مــمـــا
يــلــوح الــبـــدء تَــيّـــاه الـشــكــول
ولا تــــدنــــو ولـــكـــنـــي إلـــيـــهـــا
ألـــوح مــــن الــغــرام بــــلا دلــيــل
أكـابــد مـــن هـواهــا فـــي يــفــاع
تــكِّـــلُ بــرأســـه نـــــارُ الــعــقــول
هنالـك لحـت فـي شــرف وفـاحـت
بـــيَّ الآفـــاق عـــن ولـــه الـنـبـيـل
أخـيــل بفـضـلـه فـيـغـيـب شــوقــاُ
ألــوا الألـبـاب فــي بــدع الـفـضـول
فـإن أسرفـت فـي شجـوي فـإنـي
أُديــر الـكـاس مــن حــرم الـرسـول
وقــد يشـجـى حـمـام النـخـل إمـــا
جنـى القطـان مــن شـجـو النخـيـل
فـهــل فـــى ذكـريــات الـــروح نـــار
مـن الأقصـى تنـيـر حـمـى الجلـيـل
وهـــل حـــرم الجـلـيـل بـــه حـــرام
دمـــانـــا أم يـــحـــلُّ دم الـخــلــيــل
وهــل يـاقـوت حَـرقـى وإحـتـراقـى
يـكـفـكـف لــيــل غــازيــة الـمـغــول
أم الأشــيــاء مــــن خَــــدرٍ مَـقِـيــتٍ
تُـمـيـت وحُــولُــه وهــــج الــذحــول
فقـل فـى نـشـوة الـزمـن المـزكّـى
بِسـهـد الـشـوق والسِّـنـة البـتـول
فــكــم زمـــــرت بـأيــامــي إلـيــهــا
روائــع مــن سـنـى دمــيّ الطلـيـل
لــوامـــع لا يـــــد الأيــــــام تـــعـــدو
عـلـيــهــا صــبــغــة الله الـجــلــيــل
بـصـائــر كــــان أنـفـذنــي هــواهـــا
مـــن الأشـــواق والـولــه الكـلـيـل
ألــســت تــريــن أيــامـــي عــرايـــا
إلـيــك بِـسِـحْــرِ ذاكــــرة الـحـقــول
مـواجــد تــهــدلُ الــغــدوات فـيـهــا
بــأنــي فــيــكِ مُـخـضــرُّ الـمـقـيــل
وأنَّ زمــــان ذالــــك لـــــم تــنـــادَى
أراكَـتُـه الـتـى أختـلـفـتْ بـسُـولـي
ولـكـنـنــي ذكـــرتـــك والـلـيــالــي
نـــزولٌ مـــن هـــواك عـلــى نـــزول
ويـــــا لِـــلّـــه كـــيـــف تـنـابـهـتـنـي
بـظـهـر الـغـيـب أصــــداء الـطـبــول
وكـيــف تـوهـجـتْ فــــيّ الـمـرايــا
بـشــوقٍ مــــن جــنــيِّ الزنـجـبـيـل
أقــول بــه مـتـى ما شـئـت قـوْلــي
فكُـفـي مــا حـــلا لـــكِ أو فـقـولـي
فـــــإنـــــي لا أري إلاّ صـــبــــاحــــا
شـربــتُ بـوجـهـه مــــرح الـخـيــول
عـتـاق الخـيـل أو طـــرب الـعـوالـي
مــن العـقـبـان فـــي جـــوٍ هـطـيـل
غَـداة تشيـب فـي ظمـأ اشتيـاقـي
بــذاكـــرةٍ مـــــن الــمـــاء الــزلـــول
شموس هوايَ في عقلي وروحي
وكـنـت أخــون مـــن طـــرف كـلـيـل
حثوتِ من الضحي في وجه عقلي
فـكـدت أضــل مــن ألــق السـبـيـل
وراحـت بـي ريـاح الشـمـس حـتـى
تــألــق فـــــي روائـحــهــا قــفـــول
فــمــا شــمـــسٌ بـآفــلــة ولــكـــن
شروق الشمس من ضحـك الأُفـول
ُتــري الأيــام تصـقـل مـــا أشـاعــت
بــذات الـقـلـب مـــن قـــالٍ وقـيــل
فينـطـقَ مــن سـنـاه دمــي بـمــالا
أُحــــسُّ وإن تـذكــرنــي ذهــولـــي
وإن أمسـيـت مـمـا كــدت أمـسـي
وحـيــدَ عـشـيــةِ الــزمــن الـقـتـيـل
أهِــلُّ بشجـوهـا مــن مــا عفـتـنـي
ريـــاح بـيــن "حــومــل فـالـدخــول"
أنـلـتُ الـوقـت أم قـــد نـــال مِـنِّــي
دم الـيـاقـوت مـــن ولـــع الأصــيــل.
تراويح إلى دمشق
أجيئ وبي من غاسق الصمت وحشة
وليس سوى نجـم السهـاد سميـر
أناجي دمشقا بيننـا مـن طـلاوة الــ
صبابـات عهـد بالدمـاء يـفـور
فيهتز من عرفانهـا طلـل الهـوى
بذاكرتـي والمستـهـام ذَكــور
هي الشام وأهتزت إلي الشام غُلتي
ومـن بـردى يهفـو إلـيّ نميـر
فهل ذاق قبلي بارد المـاء ظامـئ
وهـل غزِلـت إلا إلـيّ خـمـور
عشية أعلاني علـى كـل شاهـق
مدَى بصري مـن قاسيـون أميـر
فدار شراب لـم يُـدِرْ قـط نخبَـه
علـى مـرّ أيـام الزمـان مديـر
شراب له من عهـدة الشـام أنـه
تُوفّـىَ بـه للعارفـيـن نــذور
عرفت به من نشر روضـةَ نفحـة
لها من رسيـم الذكريـات نشـور
فوشحتُ من وهـم الربيـع بحبهـا
جُـدوب زمـان هـن فيـه سعيـر
ولاح غدير مـن سـراب وطالمـا
هفا بيّ من مكـر السـراب غديـر
وما تهتدي تلك السبيل التـي لهـا
محـطّ الهـوى إلاّ بحيـث تجـور
فأرسلت شعـرا ذا أحابيـلَ لا تـرى
بها ظبيـة البيـداء كيـف تَمـور
شربت له من ساهر النجـم قهـوة
تثاءب منها فـي السمـاء فطـور
غيورا علـى أن لا يـذوق مذاقهـا
مـن القـوم إلا ماجـد وغـيـور
فيا لك مـن شـوق هنالـك طرّبـت
به من نجـوم الليـل فـيّ طيـور
وطارت على ليل الدهـور ولا أرى
لهـا مهبطـا إلا بحيـث تطـيـر
حوائـم عهـد لا يـنـال غليلـهـا
فـرات وإن طابـت هنـاك نهـور
كأنّ شرابـي مـن ظمـايَ لجلـق
تفـوح بـذاك الليـل منـه زهـور
أيا جِلّق البدء التـى نحـن ننتهـي
إليهـا سـلام مـن سنـاك عبيـر
سلام وجرح الحب فينـا وبعضنـا
على نحت أيـام الزمـان صبـور
تذكر أصحابي الزمان الذي مضـى
وجاشت بمكنون الحننيـن صـدور
ولم يشعروا أن الزمان الذي مضـى
منيـرا لغـيـر الآفلـيـن ينـيـر
فرُحتُ وما استعبرتُ من عبرة إمرئ
ولا أنـا فيمـا يـرتـأون أشـيـر
كأن لم تَدُرْ يوما برأسـي عوائـق
من الغضـب الوهـاج حيـثُ أدور
ولا هاجني الأقصـى ينـوح جـدارُه
لينقضّ والحمـسُ الحمـاةُ قبـور
ويظمى الشـآم المستـراد ومـاؤه
غزيرولـكـنّ الـعـراق كسـيـر
ينوء مهيضاً بالمصيبـات لاتـرى
لـه سـنـدا إلاّ علـيـه يـهـور.
لعاشقهـا بيـن النُّجوم حُلولمواقف تُحْيي المجد وهي طُلُـولُ
تروق النُّهـى أعلامهـا وتهـوللبِست بها العليـاء حُلَّـة ماجدٍ
وفاءًا إذا خان الخليلَ خليليفوح أريجٌ الروح من دم روحها
إليها تلاميعٌ لهن صليلوقفت بها فأهتاج بي من رسومها
بدائع شعر مالهن أفولتثيـر على الأيام كـرمـلا
وأجهش منها بالحماة صهيـلأنَرْن سماء القدس بعـد عمائهـا
ودجلة إذ ماء الفرات طميلبكاء إلى بغـداد وهـي جريحـة
عويل وما يجدي الغداة عويـلوإذ نحـن أزري بالمآزر أننا
عليها لما خانت هناك أصولفلو أننا كنا إلى اليوم نبتني
جميع ولكن الغثاء فلول.ولو أننا كنا غثاء وجمعنا
***
محمد ولد الطالب
  • من مواليد أكجوجت بولاية إنشيري، عام 1968.
  • حاصل على شهادة المتريز في الأدب العربي.
  • عمل بالتدريس.
  • يشغل منصب رئيس مصلحة الإعلام والتوثيق بوزارة الثقافة والإعلام.
صدر له:
  • وجه في مرايا الفقراء، شعر، 2000.
  • الليل والأرصفة، شعر، بيروت، 2004.
وأمشي إليك
مئذنة البوح
لأن الخروج من الدم فوق الأدلة
فوق التخيل والمستطاع
لأن الرياح التي لا يسافحها الظل تذرو إلتماعي
تسلقتُ مئذنة البوح صحتٌ وصحتُ ظلالي على الماء
أنا سارق النار
هذي ملامح وجهي
وهذا قناعي
وتلك ظلالي علي الماء تمتد شبّابة
ومنتهشٌ بالصبابات بين المحيط وبين الخليج شراعي
وإن دلّني جسد في الغياب إلي سدرة الوطن المشتهى
وحملني الموج من ذكريات الربيع وأنفاسه قصصا عن كليب وعن وائل
يوم باعت لنا منشِم عطرها وأنتفضنا قراعا وراء قراعي
فلا كان هذا السلام لأدفع من ماء وجهي
دماء أخي ومخرز أمي وأعتى قلاعي.
أنا سارق النار
يرقبني حارس النار
يقذفني بالرجوم إذا ما مددت إليها ذراعي
أنا سارق النار
يقلقني وتر فاحش يرتوي من سراب الهوى وارتياب الشعاع
أنا سارق النار
ناري طفوق النبوءات ناري انبجاس التّولّه
ناري هي الأمل المستبد الذي أنتظرته ألوف الجياع
فَيا َأبتَا للديار وتاريخها للجواري ونخاسها
لكل الموزع بين الغزاة وجلاسها قرعُ أجراسها
ومن أذَنٌوا بالصلاة لأمر مشاع
لكلّ نمير مواكبُها ومواسُمها ولِيّ انطباعي
خطايَ إلى القدس موحشة وسمائي على هامتي سقطت
وهند التي تتسلل داخل خارطة الشوق باتت تصافح لون قميص النزاع
وهاذي مآذن بغداد صامتة صارخ صمتها بالوداع
تلوح لي وجميع المراضع باتت عليّ محرمة
فمتى يقذف اليم تابوت هذا الضياع ؟.
المفازة
رؤى من سراب
ظلال لأخيلة الشك تسرح فوق المفازهْ
على صهوات الرياح
مدارج تخضل من شجر الليل والعدم الفرد أزمنة
وتحدو القوافل فتلو القوافل فيها
مواويل من شغف التوق والشوق
تذرو مواجدنا للهزيع
إذا ما تنفس صبح المفازهْ
وقال الدليل لقافلة الملح
هذي المدينة تدعى تقازهْ.
رؤى من سراب
وها إنها أوجه الموت شوهاء
تزحف صوب الطريق
ليكبر في صمتنا نصف صمت المدى
في تجلي الهواجر حيث المدائن أصغر من وقع أسمائها
وحيث نحث الخطى
ونرش الحليب على سقط من متاع الليالي
ونلهث خلف مقيل الطوالع أيام ردم النجوم
هناك سنصنع ملكا لنا وحيازهْ
ونرجع أدراجنا فجأة
وتسكننا نزوات المفازهْ
فكل الجرائر مغفورة
وكل الخطايا مجازهْ.
وعدنا إلى البدء
حين ترجل شجو المساء
تلبس كل المسالك خلف خطانا
وأخرجت الأرض للأرض أثقالها
ولأيا
تراءت لنا القبسات
جزائر تطفو على ظلموت الوجوم
وللموت فيها مذاق الحياة
فكم موحش هو درب المفازهْ
ولليل في عرفه مأتم
وللنمل في كل يوم جنازهْ.
توقيع على السنبلة
كلانا بنفس الطريق
وستون عاما من القتل تكفي
لكي يحتفي قاتل بالذي قتلهْ
وستون عاما مضت
وها نحن نمشي على قدم الأخيلهْ
تصيح الظلال الطويلة من خلفنا
إلى أين يا تائهين ؟
إلى أين يا تائهين ؟
ونحن نحث خطانا إلى المقصلهْ
لأنا أفقنا على زمن يكره الأسئلهْ.
كلانا بنفس الطريق
فعش في تراتيل غيك وأمرحْ
وأرسل مراثيك حين تمر الصقور
وتعلو الظلال بأجفاننا المثقلهْ
فرغم الجراح
ورغم الحراب
سنعبر أحلامنا
ونعلم أطفالنا صلوات النخيل
إذا ما تأجلت المرحلهْ
سنجمع ريش الحمام
لمن تأكل الطير خبزا على رأسه
ولمن يعصر الخمر من دمنا.
كلانا بنفس الطريق
وسميتك طفلك بالأمس يعقوب
لكن طفلي أنا اليوم سميته حنظلهْ
ومهما فعلت
فلي حنطه
وأعرف كم عدد الحب في السنبلهْ.
***
المختار السالم أحمد سالم
  • من مواليد واد الناقة، عام 1968.
  • خبير معلوماتية.
  • خبير في الإخراج الصحفي.
  • كاتب صحفي بالوكالة الموريتانية للأنباء، ومراسل جريدة: الخليج الإماراتية.
  • عضو المجلس الأعلى لرابطة الأدباء والكتاب الموريتانيين.
  • عضو رابطة الصحفيين الموريتانيين.
صدر له:
  • سراديب في ظلال النسيان، شعر، 1999.
  • موسم الذاكرة، رواية، دار الشروق الأردن، 2004.
  • القيعان الدامية، شعر.
  • صباح الوتر، شعر.
مشاكس قمري!
مشاكس، قمري، أغبر نزقُ
ينمو بعينيك مهراقا
وينطلقُ
تنهار
حتى جفون الجرح ما دمعتْ
وأنت في نهر إيقاعاتها علق
تود لو كنت عشق البحر دورتها
إذ أنه بثراها الدهر يلتصق.
دخنت
دخنتُ أعصابي بطيبتها
والبيت من مزنة الدخان يختنق
للسر أجنحة تخفى على بصري
تقول
صاحبتي إذ صدرها مزق
وذات يوم يمر الليل من جسدي
فلا يحركها أقلامك الورق.
ويشنق الصمت فواحا على شفة
تكفي سخونتها كي يمرق الألق
دلال مكتوفة الأيدي بغير يدي
أمد عينيك إصباحا وأستبق.

كم كنت يا وجعي المشلول في وجعي
أرجوحة بدموع الأرض تـتسق
أيفرغ الحزن في كفيك عاصفة
لبوسها البؤس، والحرمان، والقلق ؟
هل يفلت الوهم من عينيك عندئذ
عباءة لجبين طيبة العرق؟
إسمع قليلا حديث الصمت هل أحد
سواي قد يشتهي أوهامه القلق؟.
دلال خديك
غابات مموسقة
فيها تهيم خيالاتي وترتزق
عفوا فإن نهيرات المسا
غمرتْ
شعر الأساطير إذا أسمالها الغرق
لو أخلفتْ
لا تحاسبْـني إذا كذبتْ
فلست يا وجعي
في غيرها أثق
إني أحدث نفسي عن تشردها
في جسم خادجة
لغما ستحترق
ما أجمل الزمن الآتي
إذا صدقت
زرق الأماني التي تطفو بها الحدق ؟.
أنشودة الكون إعصارا تفجرني
ظلال صمتك حين العشب يدفق
أنا أحبك وحدي والهوى شقق
من دمعنا، كيف تحوي دمعنا الشقق ؟
ألهو وجسمك أسياف على رئتي
إن المشانق لا تلهو بها العنق
لا ترفضيني تمام الرفض
إختلقي أعذارك الآن
فالأعذار تختلق.
يروى القداسة نهداها إذا اعتمرا
صدرا
فأيهما كفيك ينطبق ؟
لا لم أبحْ
فالحروف السمرُ يابسة
وزرقة الفجر يبدو دونها الغسقُ.
هاجر
والعنقاء
قالت لي العنقاء إنك غائبٌ وسط الهديل
وليست العنقاء أول لعبة في الشعر
لكن القصيدة
تقتل العنقاء في رمل الفصول
فتصبح العنقاء فكرة شاعر كتب القصيدة للفضول
قالت لي العنقاء إن أصابعي عربية الإيقاع
"إبراهيم" كان أبي
و"هاجر" وحدها تتعقب العنقاء
يا ذريتي
يا صخر واد أعزل
تتعقب العنقاء خيط ظلاله
ذريتي في الأرض، تعرف وجهها في الزركشات
وليس في رسم الخيول
لا شيء يمنحك الخيول البيض
أيتها الفضيلة
كالرسول
والطفل يكبر
كالفضيلة إن تجلى
والطفل يكبر كالجبال
ويعرف الأشياء طفلا
هو الملاذ إذا تجبر سيد الدنيا
وصاح أريدُ حلا
هو الملاذ إذا تحجر كالصخور خيالكم وأنسدّ جهلا
وأبي رماني عنك في الوادي رضيعا أريحيا
وأبي أتاك بكل عاطفة
وعاد ليذبح الطفل الصبيا.
لكنني ما زلت
في الوادي الذي لا زرع فيه
واقفا أتلقف الشرف العليا.
قالت لي العنقاء كان أبوك يحلم أن تربى كالجبال الشهم
مرتفعا نقيا
ما أشبه الأشياء بالأخشاب في لحظات دهرك أنت
"هاجر" وحدها قالت لهم هذا دليلي
وتشكلتْ مدنُ البراري
والقوافل تحت أقدامي ومسعاي الطويل
وأنا الذي لا ريب في أسيافه
وأنا الذي بدأ الحكاية بالحجرْ
وأنا الذي ختم الحكاية عندما ظهر القمرْ .
هل كان قومي يعرفون حقيقة العنقاء
حين دخلت محمولا كأشباح الصور ؟
وقتلت أسماء الشوارع والحمام ؟
وتركت لي هذا الحطام.
هل كنت تعرف أنت حب الأمهات ومولد الأشياء في هذا الظلام ؟
هل كنت تعرف أن كيدك يغرس اللحظات في ظهري
ويسحبني إلى جسد القتيل ؟
هذا زمان أنت فيه تزرع الأشواك بحثا عن بديل
أو تدعي أسطورة الميلاد
يحترق الرماد براحتيك
وأنت لم تعرف حقيقة ما جرى للأرخبيل
قالت لي العنقاء إنك هاربٌ وسط الهديل
وإنني بالشعر أغزو جبهة الزمن الأخير المستحيل
إن كان حظي فيك يبدأ بالصخور، وبالعراء المر في الوديان
والعطش الجميل
وأنا ووالدتي نحبَّ الطير في الوادي
ونبني للعروبة أول المدن
ونجعل ذلك الوادي بحجم الحلم والوطن.
أنا كالسمندر في بحار النار
أحيا في الحريق كجمره
وتصب فيروز أغانيها
فـأكتب في الطريق الحره
أسماء آبائي
وأحفادي الذين سيدخلون القدس متراسا
كما دخلوه أول مره.
الحظ يبدأ من حدود الصخره
إن كنت كلبا للمسيح
وكنت شحاتا لموسى في العصا
نفس الشراب
وتلك نفس الجره!
أما أنا
فلكل بيت أبتـنيه
سلالة وفتوح
ولكل أنثى تستظل معاطفي ولد طموح
الشاعر أختلطت أظافره بأسماء الغزاة
وليس في صمت الغياهب غيهب
فيلوح
والشاعر أحتمل العراء.
لعل سيدة تبوح
تتناثر الرايات في عينيه
يختمه الصراخ
كأي قنبلة تنوح
جلبوا العبيد.
رأيت حلية "هاجر"
هي "هاجر" أمي
وليس أبي الذي لا يستريح.
الشعر يدخل كالصراخ جلودنا السمراء
هل في حيّـكمْ قتل المسيح ؟
يا أيها المجروح كالمزن الكبيرة في الرحيل
لا تسأل العنقاء عن ولد سيولد في المقيل
فأنا أجيبك في صهيل الرعد
والأمواج
والفخر الجميل.
جزر الصهيل
هي التخاطب بالطعان
سفينة للموت
أو شط لدغدغة الصهيل.
ما أشرق الإصباح إلا خلته
من ثغر سيفي في الدخيل المغضب.
ولقد تطوف بك الكؤوسُ ويغتدي
عزم الرجال
سقيفة للأجنبي
ولقد تركت لك الكؤوس ترفعا
مني
فمن يشربْ
خمور الأحدب ؟.
قد كنت في الماضي مجرد قصة
كبرى ملفقة بعقل أجرب
والآن أصبحت اليتيم كما ترى
متعلقا بخيالك المتعصب.
الثورهْ
وأنا أراك خرافة في الصورهْ
يا جثة تتكلم الماضي
بألف خرافة
حمقاء تخرج من شفاه العورهْ
فلتنتهي الأسطورهْ
من ذا يحنط جرحه في المنطقهْ ؟!
يتلو زعاف كتابه الوهمي تحت المطرقهْ
أنت الذي أغتصب الحياة
بكل ذاكرة
وألف محرقهْ
يا محرقهْ!!.
الله لا يختار شيطانا
ولا يختار شعبا يقتل الرسل الكريمة في الخليل
ولسوف تغرق في الصهيل
قالت لي العنقاء إنك هاربٌ وسط الهديل.
قيس
حتى إذا وصل الرعاة إلى الخيام، وخضبوا ناياتهم بالعزف تعشق يا فتى، وتسيل في الأنغام، مختلطا بأرواح البنات.. لعل من قمر يهز ظلاله!.. فتهش كالزفرات مقتولا ومذبوحا بشعر صبية.. ولنهدها المعصوم من كفيك تمشي خافتا كالريح في الأعشاب !
أيتها الصبية، سوف أرسم رقصة القتلى على شفتيك، إني شاعر لا يستقيل من الهوى
ولقد قرأت رواية المجنون في الصحراء، بادية العراق حفظت عنها شكل أقدام الحيارى حين قال لي المعلم: إنه مجنون ليلى، آخر العشاق في الزمن المؤرخ.. قلت: هل في هذه الصحراء من لا يعرف المجنون هو ابن الملوح.. صحْ.. هو من تمنى الريح من جهة الحبيبة كي يعود العاشقون لرشدهم.
هو أحرق البترول.. وأحتل الجزيرة والعقول.. وأحرق الصحف المثيرة والحلول الموسمية والفصول.. لقد أتى شيئا فريا.. قال: يا قومي دعوا العشاق يختبئون فوق النار.. من ضحك الحبيبة للعظام.. أنا الفتى.
قال المعلم: صحْ.. هو المجنون قد خاف الجنون جنونه.. وهيامه فوق التلال وفي الصحاري اليافعات.. كأنه جمل.. صبور.
هو أشعل في القصائد ناره، متناسيا ضعف القصيدة، شاهرا قيثارة الزمن الجريح
كأنه برق جسور.
ولعل ليلاه خائفة بكل صراحة من شهوة الأوتار.
كان ابن الملوح لا يقود جماله البيضاء، إلا وألتقى غجرية في السهل عارية تفترش الحصى، قالت له: إن لم تحطبْ، سوف أدخل في عظامك رقصة حجرية.. إنيّ أغتصب الرجال، فلا تكن رجلا إذا شئت الجمال، ولا تكن رجلا إذا شئت النساء.. فهن شهوتك الأخيرة / هن في أقراطهن وحليهن كغابة مذبوحة بالنهر.. قال لها: لئن لم تنتهي.. مثل الجمال تسربي لأكون نهرا.
ما وصلت إلى الخيام مخضب الجرح / إنك كالسقوف أنا الذي لا يعرف الحسناء إلا ناظرا.. أو نافخا قيثارتي عزفا على فخذيك.. موتور الجوارح.. خذ جمالك أيها المفتون بالصحراء.. سوف تضيْع صحراء الحبيبة.. أنت من يحتل أندلس الجراح العشر ذاكرة.. وذكرا..!
أنا لا أحبك يا من لا يفكر في نهودي وهْيَ غامضة، وفاتنة كأوجاع الرضيع.. وإنما لم تنطفئ بك شهوتي.. قهرا وعهرا.. لا أحبك أيها المغرور إنك كالسطوح رفعت.. وصمت بالأعلام في جبهاتك الكبرى.. فمن يأتي إليك مرددا أسطورة.. ؟
لا أعرف امرأة.. تحب وشاحها.. أو تهجر المرآة.. كي تتلمس العشاق منطقة الظلال.. وتغرق الشهوات في الشهوات ساحبة بساط الإنبهار، كأن ميعاد القوافل..
والرحيل يضج إثما كالرياح.. مخضبا بالشوق، والسكرات.. تنتظر الصبايا خلف شطآن الفضيلة، غارقا كالحقيقة في الخيال.
ليست جمالك وحدها ملك الرجال
يا عاشق الصحراء كيف عرفت أسماء التلال.. ؟
حتى إذا دخل الرعاة خيامهم، وخرجت منبوذا، بنايك نافخا جلدي بأشياء الحبيبة
مارق الأوجاع تقتـلك الليالي..
لا أحبك، هل حرام إن سكبت الكأس في ثغري.. وألقيْتُ القتيل على الخرائط والجمال..؟!
لك أيها المعتوه هذا البحر.. لا تشطبْ أهازيج الرعاة.. ولا تخفي الحوافر
بالحوافر والعقال.
هو القرنفل، لا يحبك، كيف تختار الجبال مطية.. يا أيها المعتوه، والسهل كالجرح الشهي يمر في فخذيك منغومَ العشائب والظلال..؟!.
رسالة من أسوار القدس إلى عمورية
في أي دهر رفعتِ الشمس والقبباوظل في شفتيك الظل منسكبا
أين الجدار الذي ساءلتُ عن شفةمات الكلام على أوتارها وخبا
يا بنت أيوبَ لم تسلمْ حرائرنابحثا عن البحر في البحر الذي أغتربا
هل تعلمين مكانا في هزيمتنايبقي الشرارة أو يحمي لها اللهبا ؟
هل تعلمينَ، وكان الحي في عجلإلى الرحــيل، مكانا ليس مغـتصبا
أو ترفعين عن الأسحار مروحةتذرو الرياح على آثاره غضبا
ألا يزال خليل الريح في سعةمن أمره والصدى يرتد منسربا
أين الجدار الذي ساءلتُ عن شفةتجمد الحرف فيها عنك وانتصبا
شابت بحار الصدى من رجعها وجعاوكـنتُ أحفظها للفجر حين شبا
وأينما شكـلتْ عيناك قلت له:إني أرى القهر في تلك البحار ربا
إني أسامر خيلا نقشها وجعيصهيلها عاد في الجفنين ملتهبا
ولست أعرف وجها غير حدوتهاولست أعرف إن عادت له سببا
أنا أتيه بأوراق القصيـدة لاأدري إلى جهة الموال مرتـقبا
لا ترفعي الجفن أعلى منهم فهمًُلا تعرفون جفونا كـنّ لي رتبا
والنقش فوق الجدار الآن يرقبهموأستغرق النقش.. خلف النوم وانتسبا
هذا أنا.. هذه أسطورتي، وأنابعض الخيال الذي تبقينه ريــبا
بعض العناد الذي لا يمّحي أبدابقاعة المسخ، مهما قيل أو كتبا.
الآن سيدتي، كم تفرشين لهجفنا فيطبقه من روعه صخبا
من يهمسون وراء النعش أيتها الـــدنيا، ولا يسألون الخطوَ مكتسبا
تجرع الأفق المخضل من رئتي أنفاسهواستقاها الجمر والخشبا
لا تسأليني عن المستضعفين أوالـــمخلفين فلا أنفــك مرتعبا
منابرَ الريح نامتْ كلّ حنجرةوكل أسطـورة قد عشــشتْ ريــبا
أبو تمام ألا أيقظ لنا عصباأيقظ ْ لناكل صوت صار منتحبا
أيقظ لنا نخوة.. لا نحن نحن، ولاجـيادنا أزمعتْ ضبحا ولا خببا
والصارخات علينا.. والرؤى شجن ٌوآيـــة الهجر ما أبقتْ لنا لقبا
نأتي السقــيفة قامات مــذللةمن ذا يميـز منها الرأس والذنبا
لا يخرجون خفافا من سقــيفتهمبل يرجعون وهم للمتكى جنبا
مدائن العرب صرعى بالمذلة لايصغي لصرختها إلا الذي ارتعبا
ماذا سأفعل بالدمع الذي أعتمر الخــروج يستـف غيم الروح، والعصبا..؟
القدس أقربُ أهلا من عموريةلم نحم نحن لها عرضا ولا عنبا
بغداد أقربُ دارا من عموريةأسوارها أنتهبتْ والكبريا أنتهبا
وكل صارخة فيها إلى شرفتسقى على خبل الأهلين ما ذربا
لا تطلبوا الغرب بعضا من سلامتكمفلن يفيد.. ولكن عربوا العربا
عروبتي رغم جرح العرب تفـتـــنـنيدم العروبة أبقى للعلا نسبا
أيعتلي شهداء القدس قافلةفي إثر قافلة.. لا خوف.. لا تعبا
لا بيت لم يتخذْ فديا ومن دمهوهـــذه خصلة من شيـــم النجبا
وتستمر السنون الوارفات دمالكنني في لياليها أرى الشهبا
إني لتطربني بالقدس أغنية رغـــــم الجراح وكمْ أزهو بها طربا
وإنني لأرى تحت الرماد علىتلك الوجوه خياما للعلا وربى
فلا أخاف عليها من مقايضةالعرب لم تتقايضْ ثأرها ذهبا
أأصبحت أمتي تنسى محمدهاولا تقدس إلا الخوف والعلبا..؟
العرب تلك التي أبهى محمـّـدهانشر السيوف ولم يتركْ لها سببا
فإن تقدم سيف في عموريةفالأصل في مصدر الإقدام قد جلبا
إنا إلى القدس يوما عائدون إلىبغداد نروي على ثأراتنا الغضبا.
***

بدي ولد أبنو
  • من مواليد المذرذرة بالجنوب الموريتاني.
  • أمين عاما للأبسرفاتوار المتوسطي للعلاقات الأوربية العربية.
  • رئيس تحرير دورية: اللسان الحر،الصادرة عن معهد اللسان بباريس.
  • مدير سلسلة: الإسلام والمواطنة، الصادرة عن دار الآرمتان الفرنسية.
  • مستشار دولي في عدة مؤسسات مدنية ودور نشر في أوربا والعالم العربي كمنظمة العفو الدولية، الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، النداء العربي الفرنسي، دار الأرمتان، دار النجاح الجديد، معهد الثقافة والآداب العربية بباريس، معهد اللسان، المركز العربي الإفريقي للإعلام والتنمية بموريتانيا.. إلخ.
  • كاتب مقالات دورية وغير دورية في عدة صحف عربية وفرنسية ودوريات متخصصة.
  • كرونيكر في الإذاعة وفي التلفزيون الموريتاني.
صدر له:
  • يموت الموت، شعر، المطبعة الوطنية نواكشوط، 1988.
  • مدائن الإشراقات الكبرى، شعر، منشورات القلم باريس، 1995.
  • صلوات المنفى الباريسي في آهاتي الإنسية والجنية لألوان البر والبحر، شعر، منشورات النجاح الجديد الدار البيضاء، 1998.
  • لهذا رحلتُ عن هذه الأرض، شعر، منشورات النجاح الجديد الدار البيضاء، 2000.
  • أسفار العشق والموت، شعر، منشورات الآرمتان ومعهد اللغة والآداب العربية في باريس 2004، صدر باللغتين العربية والفرنسية بتقديم من الشاعرة الفرنسية الراحلة جنفييف كلانسي.
  • الزمن والدم، شعر، منشورات النجاح الجديد الدار البيضاء، 2005.
الزمن والدم
1
وفي الأرض منأى
وفيها على طرقات الظلال الكسيرة نغم الحيارى
وللهجر حين تكون الظلال على أمد القادمين مع الليل وجه يعلمنا الفجر.
جنب الليالي التي تتشظى إقترابا من المهد
عند إرتواء الرحيل من الأنجم الصامتة
هنالك في سدرة القاصمات
هنالك خلف الظلال التي تتدافع وجدا
هنالك في الأفق الفرد
ثمّةَ أفْقا ـ مع السادرات التي يتخطفها الأفق الغارق في عتمات التدافع
ثمة حين يكون الرحيل إقترابا من الأرض
ثمة حين تدك الجبال الطريدة أقدامها
وتكتب بالدم في سدرة الأمل الأرض أقلامها
وتنزع من طرقات التمادي مراقد أحلامها
هنالك في سدرة القاصمات تظلل حشرجة البدء أعلامها.
2
نعم عقروا الناقة يا صالح
من الوحل الأرض
إلى الوحل
الرحل
غير أن المقام الشجي يظلل الأسر
ويعرف أن أغمات كانت
وأن الهضاب تكون.

3
الساعة السابعة
والآلام
وفي الأرض منأى
وفيها على طرقات الظلال الكسيرة نغم الحيارى
وللهجر حين تكون الظلال على أمد القادمين مع الليل وجه يعلمنا الفجر
صبّ كأسا من الشاي
وأخرى من الظل
وأشرب الصمت الذي كنتُ
وقل صادحا بالرؤى في سماء العشية قول المساءات حين تضيعني بعدما ضاع الأسر صمت النجوم الأخيرة:
ليس على أمدي غير لون الرحيل.

ومضت في الظهور المغيب أودية تتربع بين العيون الثلاث
التي تتفحص في قسمات ارتيابي
مرت على أزمني أزمن
ومرت عليها فلول الوجود المعذب في حشرجة الأفق
ضاعت على قدم التيه أوجههم
وفيه أنتهت أوجهنا
والمسارات في ملتقى الركب بالركب تذكر سادرة للنجوم أنا أضفنا إلى الشمس والبدر ثالث ألوية الرحل وأنا عن العائدين
وعن الراحلين
أرتحلنا.
لم يرنا الفجر إلا سرابا تتالت عليه، علينا، مرايا المتاهة حين تصافحها في التناغم السنة السر عن محن يتطاول فيها عجاب السنين
وفي سفن النفق المتربع في قادمات الليالي يعلمنا البحر أن الظلال ترتل قبل الرجوع إلى آخر المرتقى سفرها
آئل مع السر في قمة الفخر يرقبنا عجب بالرؤى
أيهم أيها الناس أخبرنا عن قرى السفح وعما قضى من عظيم النخيل.
وصافحت هذا النخيل، وقلت له:
أيها النخل كن وأرتهن للرؤى
قلت له:
أرحل في الهزيع الأخير من الليلة الألف
أرحل معي كي نصافح موطن الغائرات السواقي
لم يعد في الأراضي الأبية إلا اهتزاز السعف
لا ظفر في الرؤى قبل
إنما الظفر البَعْد.
والمسرات تذكر البحر
تذكر يوم الرحيل إلى قسمات الغروب
يكتبنا النخل سرا ويعلن أنا أنتفينا.
لا ترم في المجاهل غير الثنايا البعيدة
غير السكون المعظم في قاصرات الدروب
وأركب الليل في سكرات المساء الذي يتخفى هنا وهناك لأسمعه من ترانيم "رمبو" قصيد إنقلاب الوجود.
هو القادم في البدء سرا حنينا إلى ظفر لم يكن وحده سيعلمنا أننا في الرحيل المخضب بالأرض نعلو الظفر.
على باب أغمات قلت لإبن خلدون:
إن العصائب تنحر الأرض
وصليت بعد المغيب بركن النجارين
كانت قرون تمر علي
تصلي صلاة البكاء معي
وتسير معي في مسير الرؤى
أيها الركب صل فقد قرب الوقت
نعم أيها الركب صل فقد قرب الوقت
لم نر شايا يصب مدى البحر
ولم نعرف هنا في طريق المراكب ظلا.
وتنظرني كدية الجلد في سمح الليل تلتحفني في ارتماء المرتل من ذكريات التناهي
ولنا في الأعالي مطارحنا الممتلاة من العدم الفجر
ما زال للنخل بعض الحنين
وما زال في النخل بعض من الفجر
لا ينظر الصمت بعد الرحيل سوى ألم قد تعلم أن المراكب تستبدل اليوم بالأمس وتكتبه
في مداراته
أو في مغاراته في معالم لا تتأثر بالصمت
وقيل لنا:
أيها الراحلون أرحلوا عن تمادي البلية
لا تتركوا النخل
خذوا نخلكم معكم
وخذوا تمركم معكم
وخذوا بئركم معكم
وخذوا ما بقي من الفجر
خذوا قمرا آخر
وأحملوا معكم أرضكم في الخطى المترامية في الليل سرا تراه البرية فجرا
وكونوا مثلما أنتمو
مثلما تنتهي قصة القادمين على رتب لا ترى وعلى أثر لا يرى
وفي سفر قد تولى.
قاصمة هي
عالمة بالربيع الذي يتخلى عن الأرض حين يحين الغروب الأخير
وحين تظللها الشمس بعد لظى الليل
بعد انتفاء الحمية ينظر القادمون إليها جوى في اجتثاث الطلوع.
تحدثك الأرض عن قصة القادمين مع الفجر قبل الرحيل الأخير
سئم الخائفون على سكنات الحلول
وطارت عجائب النخل سفرا مع الليل بعد ارتداء العشية إنه الليل
لا تستباح
وليس لها أن ترى نما قد يصافحه في العشية بعد الركون إلى ضفة النهر بين الأصيل المخضرم حين تمادت طلائع وجه البرية في الشوق
يصبح في الناظرين ظليلا
وتنظر في الأصل وجها ظلالا يعلمها القادمون نداها.
لم يكن أبدا ذكرها إنما قال لها بعضهم قصة في الحنين وقال لها بعضهم قاصرات إليها فما زارها في المراثي الأبية ألاي
ما زارها في انمحاء الظهور إلا السفوح التي تتوطن في العجز بعد العشية
وصافحك الليل في مرتقاي على سفر الظل.
لا تقم
إن يكن في الظلال له الإسم فهو المخضرم في طرقات المرايا العديمة
هي الأرض إذا زلزلت أخرجت
بعدما غدرت في العشي
هي الأرض
أخرجت الأرض أثقالها
لا تظللهم في العشي مدائنهم
فلا الظل ظلك
ليس مع الأرض غير الرحيل
مرتلة في مداها
يسائلني الذل في ربى الأرض من بعدما رحلت
ومن بعدما سكنت
في أقاصي العشية
حين يحين الرحيل المظلل بالسدر
لم يكن الليل بعد يوما ولم يكن الظل ظلا يوما
لم تك الأرض يوما مواطنا للنهل في قربات التتالي
رتقا ناهديها بها نعلمها الصابرات اللواتي وقفن على مرتدى العمر يكتبن ذل العشية
ينظرن في أفق القسر لا تسدير الرحى بعدهم
والأناة إليهم على بعدها في ثناياها، في الضنى والرؤى المتتالية بعد ركون العشية
سينثرها الغل
تبدو على سدرتيها كمن وقفت كانغماس المدارة بعد ارتهان الورود إلى سافرات المسجى الظليل الذي يتداعى على آية الفجر تكتبها في مساءاتها أو يعلمها أنها في ملاءتها قائمة على المرتدى المستقيم مع الفجر في قدح المرئيات التي تتفجر في صبحها عن كتابات صاحبة لا تعلم بالنص أن السديم المضرج بالصبح في نبرات تناجي مع الصبح في مرافدهم وهي فيه تصب رحيق الغداة عليه طعنا.
بكيت مع النهر في جنح المتناثر كلما مل منه الصعود
في عذاب المطايا الرتعة في ساحة العتمات الهية وهي التي تتباكى على أجنحة الليل في ظله قسما بالمساءات فجرا .
عليه يطل الأماني المظللة بالأمس لا ترى غيرها في ظلال المتاهة من بعد
والصباحات في سماء المظلة تكتبها في ثنيات العشي
عجب الأفق من تنادي الفلول المدارة في ثكنات الشروق
لم يك ابن عباد يعرف أن أغمات لا تتذكر الصبح
ليس على الأمس غير ذكرى تمرإي مطارح قرطبة في دموع العذارى
وينهمل الدمع
ينهمل الأمل الضائع في سكرات الغياب لينحدر من كدية الجلد في غمرات المقام الشجي.
ويسألني ابن عباد عن سجون الصحارى
عن قوافل كانت تسير بين ولاتة وأغمات
يسألني عن مذاق العشي على عتبات المدن ـ الرمل
يسألني عن مسالك صنهاجة وعن المسك الذي طمر الرحل في المجابات
يسألني
والمطارح ترسم وجه المذلة كلما كبرت في مرامي الرؤى.
طارقة هي
والصبح ينثر في العبرات
عن عصى الصبح هل يدور الفكاك الذي يضيع لهم ولن يهل البدر بعدما سكنت أجنحة السافرين
لا يوم مسك هنا ولا التمر يعرفه.
وقلت ليوسف إن المطارق في الفجر تنتظر الذكريات، قلت له إنما يلتحي الفجر في الهاربين وفي الفجر تلتهب الذكريات، قلت له إن ارتهان الرايا على طفق البحر يعرف الجهد، وينظرفي أفق البحر
سافر أشجو عند انتهاء المغارة في مرتع العاجزين
إن المدائن بعد الرحيل تعم السواري الحزينة. ونداء الظهور مع الأفق ينبع في فترات التلاقي مع الإبن في ذكريات العناق العلي
طارقة أنت
قادمة والمدى يرسم بالأمس في نظرات العلو عن الأرض
قسم الأفق على طالبي الــ..
وأعطهم عن بكاء الربابة أفقا
أعطهم زمنا آخر فيه ارتماء الخسوف.
لا يكون الرحيل عن الأرض بعد اندثار تتمة النخل إلا انتهاء
عندما ركبت انتهاء لا تظللني غير ظلمة تتضاعف
ويعرف غيرك أنا نعود إليهم وندرك صبرا بأنا نعود إليهم ونروي الظلال العديمة نروي افتتانا بظل تزايد
إن الرحيل افتتان
وإن التلال التي صعدنا عليها عدم
قال بعض رواة الغرائب:
بعد التلال وجود
وتحت عروق النخيل أراض
على الصهوات رجال.
هنالك يشرب الأمل الأول ما كتبته السنين الجديدة يحمل رهطا يضاربه في سنين انعدام الظلال التي تتكون في عزها
لم يكن خافيا ما كتبنا عن أنجم تتضافر في كل ساعاتها في كل آهاتها
ما كتبته السنين
لم تزل تتألم تشربنا بعدما في انحناءاتنا بعدما سكنت في مطارقنا بعدما شهدت أننا رغم كل المغارات نحمل أزمنة لا تذل
أزمنة يغبطها الناس ويسكنها الحب
لا يكون الرحيل سوى ندم غير أن حنيني إلى بعض ما كتبته السنين التي قد تكون يعلمني أننا في الرحيل سنبصر يوما وجودا، وما زادني مانا غير حب الرحيل إلى أرضنا
يوم تولد أبعث ألف سلام
كان يكتب في فج سلاما وينظر في ساعة تتعلم هذا الرحيل الذي لا يكون يكون. سمعت قصة سمعت آهة علمت أنكم في بقاع السكون تكونون كيما يكون الرحيل.
أيها القادمون أرحلوا فالرحيل غاربة هي تكتب هذا الحنين وتنظر في ما بقي وتسألني أين الرواة الذين رووا قصة ما لم يروا
إننا سوف نرابط خلف الحقيقة كي نعرف لون الندم
وإن وضعوا في كبدي جمرهم ورمووا سكرهم ونووا ما نووا فالرحيل عن الأرض
هو الرحيل إلى الأرض
هو الرحيل إلى المعجزات الجديدة.
هي الهضاب التي ترتوي برحيق الليالي تتقدم تنجب يومنا القادم
تنجب حرفا على أحرف ولها في ظلال المسيرة أن تكتب العبر المتعالية في كل ركن ثوى ولها موسم تتغنى به المعجزات الأليمة ولها ذكريات الرحيل
ولنا خلفهم موعد.
أيها القادم كن معهم وأسر في أثر الراحلين قبل أن يدركنا التيه
إن المراكب مهما تطاولت الطرقات لن تستقيل
سيأتي مع الأزمنة القادمة
يوم قد أنفصل في الماضي السحيق عن الأزمنة.
إنه الأول في هجرتنا القادمة.
وظنوا كما ظنت الأرض أنا سنطمر تحت الرحيل
وقلنا لهم سنرد عليكم وإن طالت الرحلة سوف نردد قصة هجرتنا القادمة وما زادنا في الرحيل الذي يتعلم وجها يناظره وهو لي قائلا يتمثل بالناس إنا هنا لا نرى غير وجه سيأتي أليما ونحن نريد وجودا يماثله ما رغبت فيه الصبايا. أفمن كان يوم أنتحوا ناحية، هربوا ثانية، أين كانوا وأين قضوا والرمال التي تتماثل ثمة تعرف أن الليالي ستكتب حرفا بديعا ولكنها قد تطيل المخاض
تقول:
وموعدنا الصبح وهو قريب
إن معي قادم يعرف ذكرى الظلال البديعة، ينظر في ساعة لا تتأمر إلا رحيلا ويعرف وجها ينادي على يوما سيحضر رحلتنا قادمة.
أقول لمن نصبوا نصبهم إن تكن الطرقات القريبة ظلا ظليلا .
قدم البرق لا تنتهي
والذين قضوا سكبوا وجدهم لتكبر في الأرض آحادها
والذين أعيدوا إلى الأرض في آخر الليل قبل الهزيع الأخير أرتموا في الصدى
أزفت الأرض يوم أرتوت من معارجهم في الضنى
وفوق نادرة الغيب تحمل إصرارهم
صب بعد الرحيل الأخير لنا قمرا آخر وأرم إلينا بقية أحلامنا وأرم عنا الدموع التي كَتبت في الرحيل إمحاء مرابعنا
على الطلح تابع الربع وأكتب لهذه الأرض أوتارها
قلت للفتى الشاطري لا تراقب ضفافا لا البحر بحري
ولا النهر يقبلني.
للمضي إلى سادرات العوالي أناظر مرقد الحضرمي لتتركنا العتمات في الهجر
لا يلينا سوى دمنا
لا يلينا مع الركب غير نعناعة تتمثل شعر ابن زيدون لتملأ الطلح بسر الذين قضوا نحبهم هاهنا وهناك
صب كأسا من الشاي وأخرى من الظل
وأختر على عجل حفرة من الأرض فلم يبق بعد الرحيل سوانا.
ضاربة بعدما بعدما كتبوا
واقفة في دروب الفناء
والأفق الفرد يعرف أنا نكون.
منذ عهد تحدثني سادرات العوالي، تقول:
سترتجف الأرض قبل اصطفاف البروج
تقول:
ستبحث عن آخر نقطة دم أريقت مع الفجر
عن آخر جرح تنبأ بالفجر بين البراري التي سقطت من عقود
صب كونا على جبل الموت حتى نرى ما روته الجراح الطليقة عن أرضها الراحلة
صب كونا ليملأ الكأس التي أرتهنت للجراح الطليقة
صبني قطرة قطرة علني أرتدي بعدما رحلوا قاصرات اللحون الجميلة
عل البيوت التي بقيت في انحناء الرؤى تتذكر صوتي
وعل حروفي التي مزقوها تخبئ وجهي الذي قد تركتُ لهم في الرحيل المخضب بي
لا تصافح مراقد أحلامنا فالكواسر في الأرض تأكل أوراقها التي ذبلت
وتطمر أشجارها التي أحترقت
والغضون الأبية في جزر الحيف تسكن آبارها التي طُمِرتْ.
ثمة في البحر لا تستطيع البروج البعيدة أن ترى ألم الليل إلا اقتفاء للون الغروب
أشرب الدمع
وأمض
ففي الأرض منأى
وفي الأرض
في قاصيات الأراضي الغضون الأبية تغرس في الأرض أحلامها التي أحترقت.
عندهم جزع ولهم رجع ولنا وجع
لا يكون ظهور السلو مع الفجر إلاي
وارتماء الأفول مع الــيرتقي في انحناء المتاهة
وما زاده غير وجه البلية
ردد مطارحه في مرايا السنين المرتلة في ربى الدر
كن على قدم القادمين بما يستقيل الرواة.
وادي الصّمت
ونزلْنا وقتَ الأصيل في وادي الصّمت قُرْب باب السّلطان نتَخفَّى عنْ أعينه بالعري والعمى
وفي دهشة النّزول بَحْثا عن أثرٍ لأهل السُّلطان في الوادي
أخذَ الوجل ينزف بالشكّ والحيرة
الوادي خرابٌ يمتصُّ أنفاسه، تتناثر فيه شجيراتٌ سيقانها من الخور، وأغصانها من الوجع، وثمارها من عنفوان الموت.
وفي وسط الوادي طبلٌ ضخمٌ منتصبٌ كأنَّه رحى المحال أو قرون الجريمة
والطّبل على قتامة لوْنه وشدّة إحكامه لا يَسْتُر ما به فيبدو عمقُه منْكشفا بيِّنا.
وفي داخل الطّبل قومٌ يظلِّلهم النُّعاس
يجرُّ بعضهم بعضا
يغرزون أسنانهم في الرّيح ويَضربون ظهورهم بالمعاول.
قال ابن الحاضرة:
"هؤلاء الطّبالون حين يكفّون عن دقّ الطّبل يَكُون هذا شأنُهم داخلَه حتّى يعاودوا الدقّ"
قال الذي له عِلْم بالسّلطان:
"اللهمّ من صعَد منهم الجبل؟"
قلنا:
"ماذا تعني بصعود الجبل؟"
قال:
"السّلطان ليس في الوادي، السّلطان على رأس الجبل"
قلنا:
"وأيّ جبل تعني؟ "
قال:
"أنظروا خلْف باب السّلطان"
ونظَرنا خلْف الباب فإذا جبل أشمّ من الأعضاء البشريّة الـمقطّعة:
رؤوس رجال
ونهود نساء
وقلوب أطفال.
وعلى قمّة الجبل حشْدٌ من الغلمان والحشم يتصـبّبون عرقا كأنّه صفير النّهاية، يحملون زمرة يرتفع على جباهها السّلطان يخطب، وهي تُصفّق صمتا، ليس فيها من ينبس
ولو سرّا.
قال ابن الحاضرة:
"إنّني أرى الزّمن حوْلَ هذه الزّمر يسافر في الويل"
قال الذي له علْم بالسّلطان:
"ذلك شأن الزّمن حِين يحترق"
وغرقنا في المساءلة برْهة
حكى بعضٌ
وأنشأ بعضٌ
قال ابن الفارقة عن الغلمان:
"لو شاؤوا لشربوا من عرقهم المنصبّْ"
فما إنْ أبصرْنا عرَقهم حِينا حتّى تراءى لنا يتخفّى حين ينصبّ تحسَبه يتبدّد عدما.
قال بعضٌ عنْ غلمان السّلطان إنّهم أوجه له، وقال بعض إنّ السّلطان لا أوجه له إنّما يكتفي بأقْنِعة. وظَهَر الموتُ كلُّه ينْـبُتُ في وادي الصّمت وتتمدّد جذوره في كلِّ الأوديّة.
قال الذي له علم بالسّلطان:
"أرأيتم كيْف جَمَعَ في هذا الجبل رؤوس الرِّجال ونهود النّساء وقلوب الأطفال؟ هذه الزّمرة تذكّرني آلاما منْغرزة. كنتُ يوما أحسب أنّ للسّلطان وجها آخر يَحْمل كلّ خيرٍ إلى النّاس ولكنّ النّاس لا تعْرفه. كنتُ أَحسب أنّ من النّاس بطانة تَمْنعه من حَمْل البشارة. كنتُ أَحسب أنّ خلْف البطانة وجها آخر لا تسدّ الطّريق دونه إلا هذه البطانة. وتعرّى الحلُم بعدُ وبدَتْ المرارة. كان يومَ مكاشفة فظيع"
قال ابن الحاضرة:
"ما أخال السّلطان إلا قد حلّ في كلّ منّا، إنّه يَمتلك كلّ القلوب"
قال الذي له علم بالسّلطان:
"كلاّ، إنّه قطّع كُلّ القلوب. لمْ تَعد ثمّة قلوب. أرأيتَ هذه الزمرة الّتي يَحملها غلمان وحشم السّلطان؟، تلك الزّمرة التي يَحْمِلها الغلْمان والحشم همّها الصّمت والتبجيل، تلك هي بطانة السّلطان تسبِّح بحمده وتَذْكر أسماءه ليل نهار"
قلنا:
"وهؤلاء أيضا يَشربون الرّمل"
قال:
"أبدا، ألا تُبصرون وترون كمْ جَمَعوا من الرؤوس والنّهود والقلوب ليربوا ويعظّموا الجبل، وكيف بعد ذلك يحملهم الغلمان والحشم؟ إنّهم يشربون المزن ويمتصّونها حتّى لا تَسْقط قطرة من المطر."
وأَخذنا نزيد استتارا بالعري، نضعُ جلابيب من التّجلّي والمكاشفة، خشية وتخوّفا من حرّاس البلاط. وأقتربنا من باب السّلطان لنسمع خُطبته
قال الذي له علم بالسّلطان:
"ألا ترون لسانه ؟، لقد جاء بهذا اللسان من خلْف البحر ليلقي به خُطَبَه خَطْبَه"
ونظرْنا فإذا لسانٌ يتدلّى من عيني السّلطان، ويغطِّي صدره... لسانٌ مزبدٌ بماض من الأنين والشّعبِ القابعِ، والهزيعِ العويلِ.
وفي اللسان قشورٌ من الحروف تتدلّى خلف الجبل يكبُر فيها مُحالٌ عقيم. ويُزركش المحالَ ماض كأنّه تنادي الهسيس المتنافر.
وفي غيوم من الصمتْ الأليم أخذتْ كلمات السّلطان تتساقط كرقاب تُقطّع:
"أيّها النّاس أسمعوا وعوا، وإذا وعيتمْ فأسجدوا لي وأركعوا!
ألا إنّ في البـرِّ موتا وقتلا، وفي البحر رُعبا وهلعا. منْ شاء فليصمتْ ومن شاء فليمتْ. كبُر اسمي وتنزّه. ولأهل السّلطان السّماء والأرض، ولبطانتي النّهر والمزن، ولجمعي الرّمل والقهر.
ألا قاتل الله الرّهطَ البغاةَ، ومكّنني من رقابهم، وسلّطني عليهم ليكون شأنهم الرّجم والصّلب! أولئك قومٌ كفروا بنعمتي وجحدوها. ألا إنّهم لحجّتي دحضوا، ولشرب الرّمل رفضوا، فَلَهم العطش إلى يوم الدّين.
أيّها النّاس لقد حكمنا ـ وحُكْمنا عيْنُه الرّشد والعدل، وكلُّ ما عداه لغوّ باطلٌ ـ حَكَمْنا بإرسال جيوش جرّْارة خلف رهط الرّفض، وبتمْزيق جلودهم إربا إربا علّ ذلك يكون عبرة لمن يَعتبر.
أيُّها النّاس إنِّي أعلم أنّ قوما مـمّن لا عهد لهم ولا ذمّة قد أتّبعوهم، وأنصتوا لهرائهم وأبوا أنْ يشربوا من الرّمل ـ والرّمل لذّة للشاربين ـ وبلغَ بهمْ التّعالي والكبْر أنْ طلبوا الماء ونادوا بالشّفاء. ونحن، عدلا ورشدا، كنّا حرّمنا الماء، وقلْنا إنّه علْقمٌ قاتل لا يلِد إلاّ مزيدا من العطش. وإنِّي اليومَ، وقَبْل الغد، لفاعلٌ فعلتي. وإنِّي وكما قال العبد الصّالح لأرى رؤوسا قدْ أينعتْ وحان قطافها، وإنِّي لصاحبها.
ألا إليكمْ بُعثتُ ولكُمْ بلَّغت".
ولم تنته كلمات السّلطان
وهي تلهث في طواحين الجبل، حتّى كان القومُ قدْ أنطلقوا يبحثون عنّا في كلِّ الأوديَّة الدّانية والقاصية. واندفعنا نروم موئلا. فما شرَّقتْ إلا غيومٌ عاقرة.
وادي الــــنــّجم
وتنكّرنا أسبوعا في وادي النّجم علّ جيوش السّلطان تضلّ الطّريق، أهلُ الوادي قومُ عجبٍ وغرابة، يدينون السّلطان بألسنتهم، ويصفِّقون له بأيديهم، يبتلعون الرمل نهارا، ويشربون دموعهم ليلا، يـرى في جباههم سُكرُ الغدوّ وعربدةُ الأصيل.
وهمْ على غرابتهم هذه قَبِلوا أنْ يَستروا وجودنا بينهم عن عيون السّلطان، وأنْ يُخفونا عن رسل الجيش.
ووادي النّجم واد عظيم، يتربًع فيه نجمٌ كان قد سَقَط وأنطفأ في الزّمن السحيق. وللنّجم أجنحةٌ من الشّوق تترامى في الوادي. قُرْبَ كلِّ جناحٍ علِّقتْ بحِبال من القبول جماعةٌ تصطلي في العذاب والعقاب. كلُّ فرد منها يَـخْـتَرق قلبَه حبلٌ يتدلَّى من سدْرة من العدم السّافر. ومع ذلك لا نَسْمع نواحا ولا عويلا، بل لا نَسْمع بكاء ولا نحيبا.
قلْنا:
"وما لهؤلاء، أرضوا كغيرهم بالأيام النحسات ؟"
قال شيْخٌ من أهل الوادي يندبُ ما لمْ يُفصحْ عنه:
"هؤلاء أهل جوى حاولوا يوما كئيبا أنْ يُطوِّحوا في ذيول النّجم علّهم يكشفون عمّا فيه من الشوق، فكان ذلك جزاءَهم عند السّلطان"
قلنا:
"أهمْ من أهل الوادي؟"
قال:
"كيف أُجيب نفيا وهم من خيرة الوادي وفلذات كبده ؟ إنّ آباءهم وأمّهاتهم هم اللذون ستروكم وآووكم"
قلْنا:
"ولِمَ بقوا دون حراك وأبناؤهم في مقام كهذا من العذاب والضّنك والشّقاء ؟"
قال:
"لتلك القصّة أمر يطول"
ثمّ والوجه منه كظيم:
"ألم تروا جبل السّلطان كيف وممّ هو؟"
قلْنا:
"نعمْ، لقد رأينا"
قال:
"إنّكم قومٌ تجهلون. أخشى أنْ تكونوا مثْل آبائكم الأولين"
قلْنا:
"ومن تعني بآبائنا الأوّلين؟"
قال:
"كلُّ الزّمر الّتي مرّت فكرّتْ، فما إنْ شَقّ عليها الكرّ حتّى فرّتْ. أولئك هم الذين سترنا وآوينا، وحففناهم بكلّ تكريم، وسقيناهم بدموعنا"
قلْنا:
"أبنْ ؟"
قال:
"أولئك كانوا أدعياء للرّفض، وهم الآن بطانة السّلطان وأولياؤه"
قلْنا:
"وهل تحسبنا عصْبة كمن مضى"
قال:
"إمّا التيه وإمّا أنْ تدخلوا في بطانته، وأنْ تتْركونا نسيا منسيا"
قلْنا:
"سنَسلك الرفض مهما تفرّقت السّبل"
قال:
"حبّذا السُّبل لو كانتْ. ما من سبيل. أخشى أنْ تكون الحروف عاهرة، وألحانها ظافرة وأسرارها قاصمة، وتظلّ الغيوم عاقرة"
وصمتَ برْهة، ثمّ عاد كأنّه يقبض شيئا ما في ثنايا ذاكرته:
"نعمْ إنّها أحلام. ليس لهذه الأرض وأهلها قدر وملاذ غير العطش. أنْ نموت ليروي السّلطان غليله. ذات يومٍ كنتُ مثلكم ألهثُ خلْف السّراب. كانتْ أمنيتي أنْ يَنْـزل الماء
وتهتزّ الأرض وتربو. كانتْ أمنيتي أن لا يَنتحر البحر، وأنْ لا يموت النّهر. وأنْ يَصِل الماء بين الأودية. كانت أَمَان، وما كانتْ."
وأخذ يبكي بصوت عميق كأنّه أنين الأرض رمّة بموتها وعشقها.
ومضتْ ساعةٌ صيّرتنا عدما محضا
الأشياء جميعا تمرّ أمامنا بلا معنى هزيلة
تمرّ أمامنا خارج ذاتها فارغة فقيرة.
ثمّ أفقنا على الشيخ يصدّ البكاء:
"ألم تروا هذا النّجم المنتصب. لقد أستطعتُ يوما أنْ أضيئه حتّى بلغ نورُه المتفجّرُ ذهبا كلّ الأودية، وعمّ بقاعا، فأرغمني جنودُ السّلطان أنْ أطفئه. وجاء ابني فتبّين فيه حروفا من السرّ تَكشف شيئا خفي، فقتلوا ابني، وحكموا على زوجته جوى بالرّحيل الأبدي وحدها ونفوا حروف السّرّ إلى البحر البعيد. ثمّ جاء حفيدي، وكان الشّوق إلى أبيه الفقيد وأمّه جوى يكاد يقتُله، فأراد مع جماعة من أبناء الوادي أنْ يُطوّح في أجنحة النّجم، فحلّتْ به النّازلة. وهو اليوم معلّقٌ يتلظّى في غياهب العذاب الأليم. هل تسمعون نشيجهم ونداءاتهم اليائسة؟"
قلْنا:
"كلا "
قال:
"ما مَثلكم إلا كمثل حاشية السّلطان. صمٌّ عُمي لا تسمعون شيئا. الكون كلّه تملأه آهاتهم وصرخاتهم. ذلك هو الفزع حِينَ يتعرّى من أسمائه."
ثمّ بجرْس خفيض:
"عيون السّلطان تملأ الوادي وستذيقكم طَعْم الويل الفرد."
وادي الرّحيل
وفي مراسي النّعاس، قُرْب عُدوة البحر، وصلْنا وادي الرّحيل.
أوّلُ منَ تَبدّى لنا فتاة وحيدة، تُشرِق جمالا ونبوغا، تَقْطع الوادي طولا وعرضا، تَرمس ومضات جمالها ونبوغها المتَفجِّر.
قال الذي له علم بالسّلطان:
"هذه هي جوى"
قلْنا:
"كان الأولى أنْ يَشفع لها جمالُها ونبوغُها عند السّلطان"
قال:
"ليس في كلمتكم غير تدليس البطانة وأوهام السوقة... أوّل ما يمقته السّلطان: الجمال والنّبوغ. هذه المكروبة محكومٌ عليها، فضلا عن الرّحيل الأبدي، أنْ تدفن أيّ ومضة جمال ونبوغ تَصدر عنها في هذا الوادي"
ولم يكُنْ في الوادي عدا الفتاة سوى الرّحيل.
رحيل نراه يتثاءبُ، ويكبرُ، ويتكوّر يأسا ونحيبا وارتكاسا.
لهذا الرّحيل سبعة أفواه حريقة يهجو بعضها بعضا، ويسير بعضها في طريق بعض. نبصِر فيها الرياحَ ساكنة متئدة، والغروبَ راقصا، والهروبَ نائما حالما. كلّ فمٍ يوزّع علينا ابتسامات ميتة غريقة.
وللرّحيل أنين يصدر بين الحين والحين نسمع فيه خُـَـطَـْـب السّلطان وتصفيق بطانته
بل وصمتَها أيضا. ونُبصر في هذا الأنين كلّ الأقنعة وكلّ الأوجه بقاعا شاسعة من الرّكوع والرّعب والهذيان، جبالا ممتدّة من الرؤوس والنّهود والقلوب المقطّعة، أنهارا من الدّماء الصقيلة، حشودا من الحفاة العراة يجلدهم حرّاسُ السّلطان على مَرِّ الزّمان.
وأبصرنا طريق الرّحيل فإذا هو حنين بئيس يتفتّق عن تكوّر دائم نحو فجّ
لا هو البدء
ولا المنتهى
ولا بينهما.
كنّا في غمرات الحيرة وكدْنا نألف غصّات الدّهشة والتّيه. أنظَرَتْنا الفتاة حينا وما نظرَتْنا. ثُمّ بهمس اللقاء قالت:
"أأهلُ رفض أنتمْ ؟"
قلْنا:
"هو كذلك"
قالت:
"أهل رفض للسّلطان أمْ لأحد أسمائه ؟"
قال بعض:
"للسّلطان"
وقال آخرون:
"لهما معا"
قالت:
"كنّا عرفنا بعضَ منْ رفضوا أحد أسماء السّلطان، فأستبدل السّلطانُ الإسمَ وآواهمْ في حاشيته. وكنّا عرفنا منْ رفضوا السّلطان فكان شأنهم الرّجم والصّلب"
ثُمّ أردفتْ:
"أنتم تبحثون عن طريق لـمْ يُعبّد بَعْد، ولنْ تجدوه قَبْل أنْ تجدوا أنفسكم. أنا كذلك ألتمستُ ذلك فكان شأني الرّحيل"
ونَظر بعضنا استغرابا ودهشة.
قالت:
"لا تعجبوا... إنّكم لن تفقهوا حتّى تَغتسلوا"
قلْنا:
"هلا أفضتِ وجلّيتِ ؟"
قالت:
"هناك في أقصى الرّفض حين تغتسلون تفقهون"
قلْنا:
"وماذا سنفقه ؟"
قالت:
"ستفقهون أنّكم قومٌ تجهلون. إنّكم السّاعة هذه تنظرون بعيون السّلطان وتسمعون بآذانه"
قلْنا:
"قد بلَغْنا في الحيرة أقصاها فما نفقه شيئا ممّا تقولين"
قالت:
"ذلك أنّ في آذانكم وقرا، وعلى عيونكم غشاوة. أتجهلون أنّ تماثيل السّلطان معلّقة على جباهكم ؟"
وألتفتَ بعضنا إلى بعض فإذا تماثيل السّلطان معلّقة على جباهنا. وعمّ صمتٌ طويلٌ كليالي القبور، وأعرستْ الويلات وطبّلتْ السّعالي. ثُمّ قالت جوى:
"إنّكم تعرفون أوّل قصّتي ولكنّكم لا تعرفون آخرها. ولعلّه ليس لها مُختتم. لقد رأيتمْ النّجم السّحيق يَنتظر منتصبا في واده. إنّ السّلطان يمقته ويمقتُ واده. السّلطان يكره كلَّ سرّ"
ثُمّ بنبرة عتيقة عادتْ إلى الكلام:
"السّلطان يكره الجهر أيضا"
وبعنترية أجبنا:
"نحن نفلج شكيمته، ونكسِر شوكته، وما نراه إلا قد أدبر"
قالت:
"هلا أستحيتم فسكـــتّم. إنّكم تنظرون بعيون السّلطان وتسمعون بآذانه"
قلْنا:
"لا نفقه كثيرا ممّا تقولين"
قالت:
"ألقوا التماثيل أرضا وأحرقوها"
وعاد الصّمتُ وطال.
ثُمّ سمعنا صوتا غريبا كأنّه النّفخ في الصّور. وحوله أصوات منه أخفّ. غير أنّها على الأذن منه أشدّ. تغازل الرّغاء تارة، والصّهيل طورا ولكنها أنين ونواح.
***
محمد ولد أعلي
  • من مواليد بوتلميت، عام 1966.
  • خريج مدرسة تكوين المعلمين.
  • حاصل على شهادة الدراسات الجامعية العامة.
  • عضو المكتب التنفيذي لإتحاد الكتاب والأدباء الموريتانيين.
صدر له:
  • صرخات الصمت، شعر.
  • تجاعيد على وجه المستحيل، شعر.
مدخل
عندما تَخرس أفواه جميع الشعراءْ
وشفاه الشعر بالسعر تُكمّمْ
ويصير الببغاءْ
شاعرَ القصر المُقدّمْ
أهجر الشعرَ لكي أصغي لصمتي
علّني أسمع للصمت لسانا يتكلمْ.
العملاق
في بلادي زورق يبحر في نهر دمائي
في بلادي شفة تبسم من طول عنائي
في بلادي نغمة يُرسلها عزف بكائي
لست صفاقا ولا منتظرا بعض العطاءِ
بعت نفسي لبلادي
ثم أعلنت على الأوثان حربي وجهادي
فإذا ما جاء شعري
قاتمًا يحمل ألوانَ عنائي
فلأني لم أضع رأسي فراشًا
تحت أقدام الجعارين ولا تحت لواء الأدعياءِ
ولأني لم أردْ للحبر أن يكتب شعري
قبل أن يكتبه فيض دمائي
وكفاني أنني لم أبع الشعر بدكّان الرياءِ
مثل جل الشعراءِ
وكفاني أنهم لن يلمسوا سطح سمائي
فأغانيهم جميعًا
تنتهي من حيث قد كان ابتدائي
وكفى مهزلةً أن ترفع الدولةُ فرسانَ الهُراءِ
قمما شعريةً أطولَها تحت حذائي.
نفخة الصور
عصبتِ بالزور عيني عاشق النور
فارضي عن الزمن المقهور أو ثوري
هل تسمعين صدى الأحلام من شفة
عذراء لم ترتشـف من خمرة الزور
قصائدا تُزهق الأرواح قد كُتبت
حروفها بدماء البرص والـعور
الريش فيها جبال لا تـــــحركها
كف الرياح ولا بطش الأعاصـير
قيح على الأرض منساب ورائحة
كأنها الذنب في أنفاس مخمور
كأن أحرفها أهـتـــــــــداب مومسة
شمطاء فاجرة من عهد آشور
تمرُّ عبر دروب اليأس عـــــارية
تشق نظرتها سور الدياجـــير
حوتْ فضائح إليـاس وما نسيتْ
قصائد الزهد في ديوان طاغور
ما زال سرك مخبوء أطير به
إلى فضاء من الإبهام مستور
ما كنت آمل أن ألقاك ضارعة
غرثى تمصين أثداء الخنازير
تقلبين عيــونا بات تحبسها
عن رحمة الله أصوات الدنانير
كأنها جثث الموتى تقلبها الـ
ـرهبان عارية في داخل الدير
كم فيك من ثعلب يسعى ومن أُسد
صرعى ومن عابد وجه الأساطير
ومن نعوش ترامت في جنائزها الـ
ـمهود تبكي ومن طاغ ومقهور
ومن شعاع وضيء ظل تحبسه
عن أن ينير الدجى أستار ديجور
ومن غيوم تسد الأفق يابسة
ترش بالنار بستان الأزاهير
ومن جماجم أموات تحَطمها
ريح المساء كتحطيم القوارير
ما زلت أعدو إلى عينيك يا وجع الـ
ـعشاق أجبر أيامي بتكسيري
تبعثر الريح أوصالي فتجمعها
أصابع الشفق الظمأى إلى الــنور
مسافر دونما زاد تشـيعني
أشباح هذا الزمان الصامد الــسور
في زورق الملح وحدي حاملا كفني
والموج يقذف أسرابا من الخور
مشحونة بدم الغربان تحملها
إلى الشواطئ أقزام الصراصـــــير
كأنما الخلق في فيض اللظى جيف
تبعثرت تحت أنياب الشحـــــــارير
فالأفق يخلع في صمت عباءته
والأرض تكشف عن أيامها الـــعور
قد كسر الليل فيها منزل النور
وأسكت الموت أصوات العــــصافير
وأرتج في جوفها سقم تكشَّف عن
صوت يئن ويدعو بالأعــــــــــاصير
ما كان إلا دعائي إذ ضجرت وأغـ
ـرغتنيَ الروح في دنيا التــــــباشــير
بالسقم بالموت بالآمال خاوية
من بعد تطوافها بالـــنفخ في الــــصور
لكي أموت كما أرضى أعيش لما
لم أرض عنه وألقى كل تعـــــســــــــير
غدا إذا غيبتني الموت في يدها
وقطَّعت كبدي المـــــغســــولَ بالنــــور
وصرت مثل غراب ميت عفن
مكــــفــــن برؤوس الـــــدود مقـــــــبور
غدا سأعلن مــــيلادي وأبدأ من
حيث انتهيت وأمحو أســـــــطر الـــجور
غدا ستصرخ أيامي لتشــــهد لي
بأنني عشت حُرا غيـر مأمور
فينيس إنيّ ما استيقظت من حلمي
إلا لأدخل قيـــــــعان المناخــــير
وأبلغ الشاطئ العــاري بلا هدف
أنام متــــكـــئا فوق الــــمسامــير
ماذا أقول لآلام أصــارعــــــــها
ماذا أقول لأحـــــــلام الصبا الحور
لو أشرق الصبح في عينيك عن وطن
مُحنَّط بالحصى في الــــــطين مغمور
وعزرئيل على الشطآن منتصـــب
ليغرق الخلق في بحر المــــــــــــقادير
والأرض تستقبل الإعــــصار قائلة
ليست رياح الردى بل نفخة الــــــصور
غدا سأمضي لكي آتي بجــــــذوتها
إنيّ آنست نارا جــــــانب الطــــــــــــور
ضمي إليك رداء العري واشــتعلي
معي هناك وفـُـــــضي كل مســــــــــتور
ولتتركي النفس تحكي عن حقيقتها
ما كانت النفــــس إلا بيــــت ماخــــــــور
فينيس إني أحاسيــــــــــس مبعثرة
مثل الرمـــــــاد على موج الأعاصــــــــير
فينيس إني كطير لا جـــــــــناح له
معلــــقٍ بجبــــال الـــــــثلج مــــــــــــقرور
عصبت بالزور عيني عاشق النور
فارضي عن الزمن المقـــــهور أو ثوري.
سندباد مدن الريح
ما زلت أبحر في عينيك مبتعدَا
شراعيَ الأمل المحمومُ
أقطف من خلجانك السود زهرا يانعا وندَى
ما زلت أحمل تاريخا تمزقه المأساةُ
تطحنه الآهاتُ
جرّعني طعمَ الردى وغدَا
في القلب وصمة عار أسود وغدَا
هذا المدى دفترًا
كتبت فيه تجاعيدي ونبضَ دمي
وأغنياتي التي ما قبّلت أبدَا
ربّا وما قدّمت قُربَى إلى صنمِ
ما زلت أمخر وحدي أبحر الألمِ
مقيدا بالأماني أرجل العدمِ
صوتي الذي نبشتْه الريح ما عثرتْ
رجْل بأحرفهِ
فظل بين زوايا التيه مفتقدَا.
ــــــ
تعبتُ همًّا وهذا الليل لن يلدَا
صبحا وما مسحتْ
كفّاه عنّيَ أعباءَ الرحيل وما
ألقت عليّ رداء النورِ
ما غسلتْ عن وجهيَ الكمدَا
وهذه الروح لم أختر لها بلدَا
حملتُها عندما لم ترضَ منزلَها
في الأرض قالت:
هنا
فوق السنا
وطني المفقود لن أجدَا
مأوًى سوى وطنٍ
يمتد فوق حدود الشمسِ
يولد مني وهْو لي ولدَا
صعدت بالروح لم أختر لها بلدََا
فمن سيحمل عني بعدها الجسدَا ؟
ومن سيهدي سبيلي
من يمد يدَا ؟
في هذه المدن الجوفاء من يقفُ
يمتصه الأسفُ
يبقى وحيدا مع الأيام منفردَا.
محمد ولد عبدي
من مواليد كرو، عام 1964.
حاصل على ماجستير دراسات العليا من جامعة محمد الخامس الرباط.
عمل أستاذا لمناهج النقد الحديث في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط بين عامي 1988 ـ 1990.
عمل كاتباً صحفياً ومدققاً لغوياً في الوكالة الموريتانية للصحافة.
يعمل حاليا باحثا ورئيسا لقسم الثقافة بالمجمع الثقافي في أبو ظبي.
عضو اتحاد الكتاب العرب.
عضو رابطة الأدباء الموريتانيين.
عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
عضو اللجنة المشرفة على : موسوعة الشعر العربي، الصادرة إلكترونيا عن المجمع الثقافي وهي أكبر موسوعة إلكترونية عربية.
عضو هيئة تحرير موقع: الوراق الثقافي العربي.
الخروج
عقدان منفرطان في قلبي
أعدُّهما
وأثني خنصري بالليل
من أغرى المخدَّة أن تثرثر في الهزيع
وتنكئ الذكرى
تطوِّقني بما أقترف القصيد
وما أجترحت من الحنين ؟ .
عقدان لا ظلٌّ أقاسمه الطريق
ولا طريق يقودني
لمحطة الوطن المخبأ في المخدَّة
مثخنٌ
عيناي زائغتان
في عقدين منفرطين
ما بيني
وبين مخدَّة تهذي
فأسمع وقع أيامي
أشكُّ الآن أن شوارعا عبرت
حكاياتٍ
رسائلَ
أصدقاءَ
يكاد برق الوجد يغمرني
فأعتصر المخدَّة
علَّ يطلع مَن معًا كنّا نخيط الفجرَ
نبني
ـ في فراغ الحصتين ـ
لمن سيولد بعدنا.

وطناً
نبالغ في التأنق
كلما بلغ المدرس في البلاغة منتهى التشبيه
وأنفتح المجاز على الفضاء
شوارعٌ تمشيِ
مدارس تُلهمُ الصحراء سرَّ البحر
ساحاتٌ
حدائقُ
أغنيات الليل
تنفذها النوافذ للصباح
فتنتشي الأحلام
ينتظم البديعْ
فيداهمُ الدرسُ الجميعْ.
وتعود ثانية تثرثر في مسامعيَّ المخدَّة
آه
من عقدين منحشرين في رأسي
ومن وجع التخيُّل
حين تنفلت الجهات السِّتُّ منك
على سرير لستَ تملكه
ببيت لست تملكه
بحيٍّ ليس يملك نفسه
بمدينة لفظتك في هذا الظلام
كأنَّ سرَّك ـ يا محمدُ ـ كنت َ تحمله
كما مَن كان مثلَك في التَّأَنق
كلهم في هذه الساعات
في مدن تُخبئُ في الجيوب عيونها
وتحاصر المعنىَ
يناجون المخدَّة
أن تمدَّ القلب بالوطن المشكَّل في المجاز.

وهناك
في تلك الرمال الشُّعث
في الوطن المعلب
يسحل البسطاءُ أهلُك
يُصفعون
لتستعيد السوق ساقَيْها
وتنتعش النِّخاسة
يطرد الصَّرفُ الرديء العملة المثلى
فتقتات الصرافة من سقوط الأرض والإنسان.
آهٍ
يا التي لم ترقبي إِلاً
لماذا يا مخدَّة
تشعلين الجمرَ في قلبي
لماذا الآن
في هذا الظلام
أعدتِ لي عقدين منعقدين في رأسي
كأنَّ الصمتَ زوبعةُ الكلام
شرارةُ التَّخييل
إيقاع يدوزنني
فأذرف في السّرير حكايتي.

يحكى:
ستبدأُ ربما أنثى لسيدها ـ تقول:
قد كان في زمن سحيق ـ سيدي ـ
في رقعةٍ قُصوى من الصحراء
في وطن يقال:
أراده التاريخ ذكرى لإنحسار الماء
طفلٌ صيغ من رملٍ
وأحمئ مرتين
تقدست عيناه
حمِّلتا عيون الماء في عمق المجابات البعيدة
ثمَّ أغمسَ
يوم شبَّ عن القبيلة في القصيدة
ثمَّ عُمِّد بالمداد
ترنمت شفتاه بالصحراء
قال:
فضاءُ إيقاعٍ ومُتسعُ اللسان
وقال:
هذي الأرض مُنتجعٌ لكل قبيلةٍ
وهذا الرَّمل رحلتنا
فمن خاط الطَّريقَ ؟
تسوَّرَ الأيام ؟
من ورثَ الجهاتِ وعتَّقتهُ الشمس ؟
كيف إذاً تُقامُ السوقُ للأنصاب والأزلام ؟
من نادته في الليل السَّماء ؟
ومن تقدَّس أو تدنَّسَ ؟
من ؟
وظلَّ على القبائل يعرضُ الأحلام والأحلافَ
ظلَّ يُعيدُ للمعنى رؤاه
وللرؤى إيقاعها السِّحريَّ
قالت وهي تكتم شهقةً في الروح
حاصره الرّعاعْ:
مولايَ
ألَّبَهُمْ هبلْ
مولايَ
ألّبَهُمْ هُبلْ
وأغرورقتْ
فتساقط البلورُ
كاد الليلُ يغرق في الصَّباحْ
سكتت عن الحكيِ المُباح.

لكنَّ ذاكرة المخدَّة تعشق الممنوعَ
تهوى الوخزَ
أشعلت الحرائقَ مرَّةً أخرى
لماذا أسقطت مَتنَ الحكاية شهرزاد ؟
تلبست بالليل
والْتبست ؟
لماذا صوتُ وجهكَ في الحكاية باهتُ الإيقاع.
قالت:
؟
قلت:
عقدين أحترقتُ
فكيف من سكنت رؤاهُ الريحَ ؟
من قصَّ النهاية في البداية ؟
كيف ؟
لا ليلٌ يواريني
فقد ذهب الذين أحبهم
وبقيتُ مثلَ "النص" فردا
قالت:
وفي خلْف ؟
أجبت:
نعم "كجلد الأجرب".

عقدان التحف الحروف
خرجت من بيتي
إلى بيت القصيد
خرجت من بيت القصيد
إلى المدينة كي أرتبها
وأفتتِحَ النوافذ في البيوت
لكي تطل على البيوت
خرجت من تلك البيوت
إلى فضاء الله
أبحث عن صدى صوتي
وترياقٍ يعيد إلى الوجوه السمر بسمتها
إلى الصحراء نبرتها
خرجت
لتستعيد الأرض ذاكرة الخروج.
حزب البر
مهما أتسع العالم
ضاق بأحزاني
طوحني في الأحراش
الغابات
الكثبان الثكلى
أورثني هذا الحزن
أعان الليل
الأسد
ذئاب الفجر
الحيات
عقارب كل الساعات
علي
سأقطع هذا البر
سأطويه بحزبي:
"يا بر لك البر
وهذا العالم تملكه
وأنا فيك أقاوم هذا الليل
الأسد
الحيات
عقارب كل الساعات
الأحياء
الأموات
فكن لي في هذا البر
أعني
فأنا مهم اتسع العالم مالي إلاك".
حزب البحر
من قال البحر عميق ؟
من ظن المد يطال الوجد
وظن الجزر يعيد الفقد ؟
بعيد من قال:
البحر بلا حزب
عني
من خاف الموج ولم يقبض كف الريح
بعيد من أدركه الليل
تأسى بالسفن الكسلى
عني
ما أوسعني بالحزب
وأضيق هذا البحر
"ركبت بالسر فسر بي يا بحر
مخرتك بالعشق
فلا تخذلني يا حبر".
***
التقي ولد الشيخ
أحد نجوم الشعر في موريتانيا، ومن أكثرهم قدرة وجرأة في التعبير عن نبض الشارع، خاصة أنه محض شعره لقضايا وطنه وأمته، وطريقته في الشعر أقرب إلى نهج الشاعر العراقي أحمد مطر في قصائده اللاذعة التي ضمتها مجموعته "لافتات"، غير أن "التقي" ظل وفيا للطريقة "الشنقيطية" في الشعر.
إن الذي في بطنهرمى مناجم الحديد
وصاح في شراهةونهم هل من مزيد
وألتقم "الحوت" ولميعطف على الشعب الشريد
وصاح في شراهةونهم هل من مزيد
هو الذي يا سادتيسيشرب النفط الجديد
ثم يصيح في نهمقائلا: هل من مزيد!.
بعد عقود أربعةها نحن وسط المعمعهْ
هوية مسلوبةوملة مضيعهْ
الشيخ جافا وردهوالظبي ألقى برقعهْ
أي نشاز ما أرى ؟أية رؤيا مفزعهْ ؟
رباط أم منارةأم بيعة أو صومعهْ ؟
شنقيط أم "كنيستٌ"أم هذه مجتمعهْ؟
وكلنا مستسلمفي وجه تلك الزوبعهْ
وفي المدى ذاك الفتىيجري ولا يجرى معهْ
وكل من وافقهمن حقه أن يسمعهْ
وكل من خالفهمن حقه أن يصفعهْ
سياسة قديمةلكنها متبعهْ
القصر فيها سيدوالشعب فيها إمعهْ! .
تندر بالمديرة والمديروحتى بالوزيرة والوزير
ولا تحذر على هذي وهذالدى التنكيت من عود الضمير
ولكن فأحذرن مما يؤديإلى عود الضمير على "الأمير".
تمضي وتأتي اللياليوالشعب ليس يبالي
وكل زرع لديهوكل عذب زلال
وكل ما قد تبقىمن أعنز وجمال
ومن خراف برتهاأيدي الضنى والهزال
أتت بالأمس عليهزيارة الكرنفال
زيارة وضعتنافي واقع من خيال
طغت على البؤس فيهمظاهر الإحتفال!.
قلنا لمن قد حضرواحفل "سفيرنا" المهاب
ماذا شربتم غير دمــع الأم والشيخ المهاب
والطفل والطفلة والـأجيال في كأس الصحاب
وهل أكلتم غير ماأدمته أنياب الكلاب
من الثكالى والصبايا، والشيوخ والشباب
مزقتموا أشلاءهبكل قاطع وناب
قالوا: وما وجهه إعتراضكم على ذاك الشراب
فالآدمي عندناطاهر الدمع واللعاب
قلنا لهم فهل تباحعندكم وتستطاب
لحوم أطفال الحجارةلمن منها أصاب
قالوا إذا أكلهامضيفنا فهل نعاب
فهي طعامهموهم أهل كتاب.
إلى الفقيه الذي إن سيل عن تركهأفتى، ويفتي إذا ما سيل عن شركهْ
وعن "صناديق قرض الإدخار" وعنلحم الدجاج وعن "شرلي" ومن دلكهْ
وغير ذا من مهم لم يكن جلالافي جنب ما العالم المسئول قد تركهْ
فيا ترى أين في الأصلين مدرك مامن السكوت عن "التطبيع" قد سلكهْ
فهل يبيح موالاة اليهود لناأم هل يحرمها العلامة النسكهْ
أم حكمها صيغة في الشرع طارئةبين الجواز وبين المنع مشتركهْ
وليفتِ بالحكم في أمر اليهود بمافي "النص" لا "بالذي جاءت به الشبكهْ"
وليتقِ الله فينا إننا نفرفي علمنا وتقانا "تنزل البركهْ".
سادتنا في زمنسادته مرتزقهْ
صاروا لضعف دينهمأضعف من في الحلقهْ
ما في قلوبهم علىشعوبهم من شفقهْ
وليس في وجوههممن الحياء ملعقهْ.
إياك أن تتكلماإياك أن تتبرما
ماذا عليك إذا جرىوتفجر "الأقصى" دما
إن الذين وجدتهملعضال دائك بلسما
حظروا الكلام على الورىأيجوز في حق الدمى ؟
إن مزقوا أحشاءناأو فرقوا أشلاءنا
أو شردوا أبناءناوغدا الظلام مخيما
كن كيف شئت مدجناومخدرا ومنوما
في ليلة حمراء فيخد تورد في لمى
وأجعل لعينك أعيناتغتال أبناء الحمى
إن عبّروا وتظاهرواوشكوا إلى رب السما
إن الجلاوزة الذيــن حبوك عيشا أنعما
فرشوا الطريق نيازكاملئوا المقابر أعظما
فإلى السماء أجعل جماجمنا المهيضة سلّما
لكن حذارِ بشهبهايا سيدي أن ترجما.
سلام عليك "أبا جندل"سلام على أمة الجندلهْ
سلام على كل مستبسلوحيدا يقاوم لا جند له
وأف على من إذا ما بداله ظله خف للهرولهْ
وولى يراشي على أمنهعداة الرسول ومن أرسلهْ
وحتام ندعى إلى لجنةيصافح فيها الفتى قاتلهْ
فيهديه من حمقه قبلةويطبق من شدقه قنبلهْ
سئمنا الكلام سئمنا السلامسئمنا اللجوء إلى القرملهْ
سئمنا ملوكا بلا نخوةكـ"ورد المكاتب" لا عرف لهْ.
سادتنا سيدهمألقى إليهم ورقهْ
قد جاء فيها أنهعنهم سيحجب الثقهْ
لأنهم لم يفعلواشيئا لقتل "العققه"
فذعروا وأرتعدوامن نقمة محققهْ
وبعد ما تشاوروا"وافق شن طبقه"
قالوا سندخل علىكل "طريد" نفقهْ
نسحب جنسياتهمنرميهمُ بالزندقهْ
نقول إن فعلهمثامن سبع موبقهْ
نقتاد من يعرف منيعرفهم للمشنقهْ
نعلن حالة الطوارئ بكل منطقهْ.
وا ضيعة الوطن المغلوب إن كانايهدي بنيه لأهل الشرك قربانا
ويا تفاهة أهل الدين إن وزنوابأخسر الناس عند الله ميزانا
من للحجى وفي الإبداع، من سبقواوحلقوا في سماء العلم عقبانا
ومن لفِقْه سليمان وخارجةومن لمقرأ ورش وابن وردانا
قد سلموه لأمريكا على طبقوأحكموا الصمت تطويقا لشكوانا
حتى إذا كان ما قد كان واتضحتمشاهد الفيلم قالوا: كان ما كانا
أنتم أقل لدينا رهبة وندىوالغرب أكثر ترهيبا وإحسانا
ولم يصيخوا ولم يصغوا لقائلنافآب ينشد في الأشعار حسرانا
أما الكرام فلم تقبل شفاعتهموشفعت بنت "منظور بن ريانا"
ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرامثل الشفيع الذي يأتيك عريانا.
***
أحمدو ولد عبد القادر
  • من مواليد بادية الجنوب الغربي الموريتاني في مضارب قبيلة الحسنيين، عام 1941.
  • من مؤسسي حركة القوميين العرب في موريتانيا.
  • شارك في تحرير نشرية: موريتانيا الفتاة، وهي أول نشرية للقوميين العرب بموريتانيا. كما عمل محرراً في نشرية: المظلوم السرية التي كانت تصدرها الحركة الوطنية الديمقراطية في بدايات السبعينيات.
  • عضو لجنة القيادة المحلية لحركة القوميين العرب، 1966.
  • عضو اتحاد المؤرخين العرب.
  • كان أمين عام اتحاد الأدباء الموريتانيين بين أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات.
صدر له:
  • أصداء الرمال، شعر،1981.
  • الأسماء المتغيرة، رواية.
  • القبر المجهول، رواية.
بنت الجبيل
بنت الجبيل سلاما درة الجبل
ويا شفانا من الأدواء والعلل
وزهرة من سواد العصر طالعة
بيضاء، حمراء، شوب الفجر بالطفل
يا أبعد البعد في أهلي وفي وطني
وأقرب القرب من دمعي ومن أملي
لا أبرد الله جفنا غير ذي سهر
لما لقيت وقلبا غير مشتعل.
من أي أجبال أرض الشام جاء أبوـ
ك الصلد ينحت شمراخا من المثل
وما اسمه ؟ هل ذرى لبنان محتدة ؟
أم الجليل أم الجولان ذو الجدل؟
حاشاك ما أنت من طين ولا حجر
وإنما أنت (شقرا) من بني زحل!
العز عزك لا زيفا ولا كذبا
والنصرُ نصرك فوق التاج والحلل
هذي أساطير صهيون ممزقة
على تلالكِ والأشلاءُ في الوحل.
لهفي على الأحمر الشلال منسكبا
ما بين نهديك والخدين والمُقل
مجازر الظلم لا فكر يعاتبها
ولو بشيء من الإنكار والخجل
بنت الجبيل.. تعالتْ فوقنا شرفا
لأنها عن سبيل الحق لم تمل
قانا وصبرا وشاتيلا تباركها
ودير ياسين بالتهليل والقبل!
والمسلمون وأبناء العروبة في
ريب الفجاءة بين النوم والجذل
يسّاءلون ونصر الله يخطبهم:
"لا تعجبوا من ثمار الحادث الجلل
توبوا إلى الله من أمراض فرقتكم
وهذبوا القول والإيمانَ بالعمل
حتى تهاوى عروش العابثين بنا
والمارقين على التاريخ والرسل".
نشيد الرعد
عيونُك والدمعُ الجريح تُنَادي
فؤادي وليس الدمعُ غيرَ فؤادي
شربت الأسى نهرا يفيض جماجما
وسود المنايا للنجيع صَواد!
وما زلت لا زلت الكرامة والإبا
وأصلب شعب في أمرِّ جلاد
عطاؤك للأيام من غير صنعها
فأنت بواد والزمان بواد!
فلسطين من ذا في سبيلك أرتجي
وقد لبس الحرباء جلد بلادي
فكم حاكم يبني القلاع لثأرها
تطال عنان الشمس دون عماد
يتيه بها فخرا ويذبح طيرها
ويلبس في أيار ثوبَ حداد!
تنادي وهدر الغيم يغشى سبيلها
ألا إن دربي لا يخاف بعادي
نشيدي نشيد الرعد يعظم كلما
تلفَّع يوم الرجف ألف سواد
سأجمع أشلائي بخيط من اللظـــــى
وأزرع في حقل الجحيم رمـادي
وأمضي، وأمضي واليتامى فوارسي
وحمحمة الأقدار بين جيــادي
ليخضر وجه البدر في صحـــن دره
على نغم الزيتون عبر جهادي.
وادي الأحبة
وادي الأحبة هلاّ كنت مَرْعَانَا ؟
إن الحبيبَ حبيبٌ حيثُما كَانَا
ويا أخا البُعد هل تشفيك قافية
تبوح بالنفس أنفاسا وأشجانا ؟
أفًّ على الشعر والدنيا بأجمعها
ما لم تقرب إلى الإخوان إخوانا
هوِّن عليك فذاك الشمل مجتمع
والنجع لاقى على التحنان خلانا
إن الحمائم قد عادت مغردة
فوق الغصون وعاد البان نشوانا
أما رأيت طيور البحر حائمة
في أفقنا ترسم الأفراح ألوانا ؟
فسل معللة الأنخاب هل نسيت
بعد الرحيق كؤوسا كُنَّ هجرانا ؟
وسل أحباءك الآتين كيف أتوا
وكيف ناموا على الهجران أزمانا ؟
وشائج الأرض أقوى في نوازعنا
والحر ينسى طباع الحر أحيانا!
أحبابنا الأهل مرحى يوم مقدمكم
هذا لقانا فهل تنضم أشلانا ؟
هذا لقانا فهل آمالنا أنعتقت
وهل نسيم ربيع الوصل قد لانا ؟
نريده صفعة للأمس توجعه
إذا الغد الأبلج البسام وافانا
نريده غرسة للمجد واحدة
دوحا يكلل عريَ الأرض تيجانا
ولا نريد مواثيقا مطرَّزة
تعيش في الورق المنسيِّ أدرانا
ولا نريد ابتسامات مؤقتة
تغشى الوجوه وتغدو بعدُ نكرانا
قبل اللقا أحرف التاريخ ما عرفت
وجه الصباح ولم تطلبه عنوانا!
كأن طارقَ أوصانا بأندلس
شراً وعقبة لم يمرر بمَغْنانا!
نروي لأبنائنا فخر الجدود ولا
نبدل الشوك عبر الدرب ريحانا
وكيف ينفعنا عز الأوائل ما
دُمنا بُغَاثاً وطار الغير عُقْبَانا ؟
حار الأدلاء والبيداء تبحث
عن نجم السبيل ولم تعرف له شانا
وإنما نفحات الضاد تسعفنا
نورا إذا الليل في بلواه أعشانا
وللرياح تراتيل بغير هدى
تسبي الذي يعبر الأمواج وسنانا
وتخطف البرق من أحشاء سطوته
وتترك الغيم في علياه ظمآنا!
لو أن سيف أبي بكر ويوسف لم
نغمده فينا تخطى اليوم بيسانا
ومض الحجارة يزهيه فيسألنا
متى تطاول سيل الدمع بركانا
ما أروع الجرح تجفوه ضمائده
حيّا ويرمي وجوه الظلم نيرانا!
أحبابنا الأهل لا شط المزار بكم
بعد التداني ولا ملته دنيانا
لولا المرابع والذكرى لما انطفأت
بعض الحروق التي تشوي حنايانا
فيم التفرّق والأهداف تجمعنا؟
لا يعلم السرإلا الله مولانا!
ما كان أقربكم منا وأبعدكم
ما كان أقربنا منكم وأدنانا!
كم ذا أخاصم قلبي حين أهجركم
وأمتري منه سُلوانا ونسيانا
ويرفض القلب أن تنأى قلوبكم
إن الحبيب حبيب حيثما كانا.
موكب النور
موكب النور هل ترى مـن بعيـد
وجـه مشتاقـك الحزيـن العنيـد
أنـا طيـف وخاطـري عـربـي
لم يصافحك بعـد مـوت الجـدود
أنا شنقيـط هـل سمعـت بوحـي
من رمالي أو درة من عقـودي ؟
جئتـك اليـوم زائـرا شـعـوري
باقـة الفخـر والوفـا للعهـودي
عندمـا عربـد النخيـل فـؤادي
وأنبرى خاطـري وثـار قصيـدي
أيـه بغـداد أيـن منـا زمــان
كنت فيه وكـان عهـد الرشيـد ؟
كيف صار الهـلال بـدرا فشمسـا
تلبس الكـون حلـة مـن ورود ؟
وزرعـنـا حـضـارة وعلـومـا
وقطفنـا ثمـار نـبـع الخـلـود
أي خـطـب اصابـنـا فنزلـنـا
من عروش الضحى لسفح الركود ؟
ماالـذي أذبـل الشمـوع، لـمـاذا
لم نصنها وهل ترى مـن جديـد؟
إيه دار السـلام هـل أنـت عيـد
يتباهـى بألـف عيـد وعـيـد ؟
أبـحـار عسـجـد أم ريـــاح
من لهيب تمـوج عبـر البنـود ؟
أم حشود الشبـاب هبـت لتمحـو
حبل الرين يالهـا مـن حشـود ؟
هاجر الزهر وألتقـى بعدمـا ظـل
حبيس الشـذى رهيـف القيـود
زغرد الماء في السواقـي وغنـى
طائـر الأمـس لحنـه للخـلـود
ورفـات الزمـان تطـوي بعيـدا
تسفـح الـدرب للزمـان الجديـد
يا بـذور الحيـاة أهـلا وسهـلا
بعنـاق الحبيـب بعـد الـصـدود
حان بعث الشموس هيـا أرفعوهـا
في طريـق المستقبـل المنشـود
وأنيطوا عن وجههـا يـا بنيهـا
كفن الغيم حـان صهـر الجهـود
قـدمـوهـا هـديــة لـربـنـا
فجروهـا علـى هضـاب الجليـد
إن قدسـنـا ضـبـاب دمــوع
تحفـر الأرض باللظـى والحديـد
باركوهـا تنهـل شرقـا وغربـا
وتغسـل العـار بالعطـاء المجيـد
خـذوهـا لـكـل جـــرح دواء
وأنسجوهـا لفـائـف التضمـيـد
طمئنـو الخائفيـن إن لـم يفـيـ
ـيقوا أنها صرخة العزيز الوليـد
إنهـا المشعـل الكبيـر يـنـادي
إنهـا وحـدة المصيـر السعـيـد.
عراء
عندما
تطلب الريح من الريح رفيقا في العراء
عندما يطلب الطير
من الريح
سكونا وانتصابا
كي يغني فوقها
معتمدا أو ليبكي
في العراء! .
عندما تطلع الشمس على صحرائنا
كل يوم
ونراها
تسرع الخطو ابتعادا
تغمض الجفن ارتيابا
في العراء! .
عندما يصبح الشعر
جمادا مثقلا بالطين
بعيدا من قلوب
الشعراء
فعليك الآن "يا أنت"
الذي عب أصداء العراء
وسقته كأسها
حتى الفنا
أن تناجي الريح
أو تتفقا!
أنت تحتاج طريقا
وهي تحتاج رفيقا
فلتهبا ولتسيرا
فلعل الطير يلقي منكما
معتمدا
ليغني فوقه
أو ليبكي في العراء.
***
مباركة بنت البراء
  • من مواليد المذرذرة اتاكلالت بجنوب السودان، عام 1956.
  • حاصلة على شهادة المتريز في الآداب من المدرسة العليا للأساتذة 1983، وشهادة البحث المعمق من جامعة محمد الخامس بالرباط، 1987. عملت مسؤولة عن الشؤون الأكاديمية بكتابة الدولة المكلفة بمحو الأمية.
  • درَّست في الجامعة من 1987 ـ 1990.
  • كما عملت مستشارة بوزارة التنمية الريفية والبيئة.
  • أستاذة في كلية الآداب بجامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية.
صدر لها:
  • ترانيم لوطن واحد، شعر، 1991.
  • مدينتي والوتر، شعر، 1996.
  • أحلام أميرة الفقراء، شعر، 1997.
مدينتي والوتر
في ليلك الشّجيُّ تنثال أحاديث السّمر
في ليلك الشجيّ يا مدينتي
عوالمٌ من الصّور
في ليلك المسكون بالآهات بالضّجر
ألامس الوتر.
في ليلك الصّخريّ حيث النجم في السّماء
قد غـــار
حين الساكنون في الخفاء
تحلّلوا من النّهار
من مظاهر الرّياء
من صخب الآلة من دوّامة العناء
أُطلّ يا مدينتي لكيْ ألامس الوتر
أطلّ يا مدينتي ويهزأ البشر.
مدينتي بوصلةٌ في غابرات الأزمنه
أضعتهـــا
نقّبت عنها سنة تلو سنه
بساعد مستهتر
ونبض نفس مومنه
قال لي الوتر:
للعشق دستورٌ فيا شاعرتي لا تحزني
لا تحزني وحاولي أن تنقذي جسدك المنبوذ
أن تنتشلي شراعك الغريق
أن تبتهلي
لا تحزني شاعرتي
قد كان لي فيما مضى مثلُك أهلٌ وصحاب
وكان لي مدينةٌ عشقتها عشق العذاب
غزلت من محاجري دوماً لأهلها الثياب
وضعت للرجال منّي أنجماً على الصّدور
أتحفتهم أوسمة على الرقاب
وكنت للنساء يا صديقتي
خبر رفيق
نزعت أقذاء الطريق
منها وأفنيت البعوض والذباب
إذ عرفوا قضيّتي
تحلقوا حول وأشهروا الحراب
وطاردوني مرغماً كما تطارد الذّئاب
لأنّ يا شاعرتي الحزينه
مدينتي كانت سراب
ولم تكن مدينه.
وهكذا بقيت يا شاعرتي
معلقاً بالأفق
وهكذا بقيت يا شاعرتي
منتظراً للغسق
هكذا بقيت يا شاعرتي
أجونب كلّ أفقٍ محترقاً بالعشق بالتّمزّق
لكي أرى مدينتي
سماءها الجميله
لكي أرى أكواخها مريضةً هزيلهْ
لكي أرى مباسماً كأنجم الخميله
لكي أرى معاقلاً تمتهن الرّذيله.
بقيت يا شاعرتي لكي أرى مدينةً
لفّعها الضّباب
وأنتزع الجفافُ من أكفّها
كلّ حلابْ
وأغتصب الأرض بيمناه
سهولاً وهضاب
أحالها إلى يباب
تصوّري شعرتي الحزنيهْ
مدينتي كانت سراب
ولم تكن مدينه
تصوّري شاعرتي
مدينتي أمست خبر وأنت يا شاعرتي مثلي
فعانقي الوتر.
قدركِ العشق فغنّي لأهازيج المساء
غنّي لأرضك الّتي ما عرفت غناء
غنّي لشاعر مضى متشحاً بالكبرياء.
مدينتي يا غُصّة من الرمال والحجر
مدينتي أيّتها الأكواخ أعجاز الشّجر
يا عطش التّراب حين يندر المطر
يا عالماً من الرؤى وموكباً من الصّور
يا بسمة الرّضيع غطّى وجهه القمر
يا رنّة تسبح في الأجواء في تهويمة السّحر
ضائعةٌ ووتري مثلي
ونحن العاشقان
ضائعةٌ
منفيّةٌ
لكنّ لي روحين
لي قلبين
يا مدينتي
لي ريشة
ولي لسان.
لولاك يا مدينتي
يا غُربتي
ما كنت طيفاً في النّدى
ولا رسمت أحرفاً بريشتي على المدى
لولاك يا مدينتي
لولا الشّفاهُ فيك قد شقّقها الصّدى
لولا العيون منكِ غارت
نكأت جوع السّنين
لولا صباياك على كل رصيف
تلوك أعقاب السّجائر وتمضع الأفيون
تحلم أن تفجّر الماء وتصنع الرّغيف
وينضب الحلم فتذوي مثل أوراق الخريف
لولاك يا مدينتي وقصّتي طويلةٌ طويله
ما كان لي روحان
ولم أجد بحوزتي قلباً ولا لسان.
لولاك يا مدينتي
لكان عشقي للوتر
لولاك يا مدينتي لكُنتُ أخفيت الخبر
قهرك السّمسار أخفى الخبرا
وافتضّك التّاجر أخفى الخبرا
عشقك الشّاعر قبل أن يرى
ثم أذاع الخبرا.
فأنت يا مدينتي
أحجيةٌ من القدر
وقدري أنّي أظلّ أقتفي منك الأثر
أبحث فيك عن وتر
في ليلك الشّجي تنثال أحاديث السّمر
في ليلك المسكون بالآهات والضّجر
ألامس الوتر.
عود إليك يا نجد
نـــجـــدٌ أتيتُ وكــــلي الشــــوق قد أبقا
عـــودٌ إلــيــــك مــن الماضي الذي سُحقا
نـــــجــــدٌ.. ويــــنتفض التـــاريخ مزدهياً
عــــبر المــســـافــــات فــــياضاً ومؤتلقا
نــجــدٌ أتــيـــت ومن شــنـقـــيــط منزلتي
أحـــــــاور الفـــل والنســــــرين والحـبقا
أشــتم أرضـــــك بــــوحاً من ربى وطني
أشــتم نوّارها.. ريحـــــانها العـــــــــبقا.

ضوع الخـــــــــــــزامى مع الأنسام تحمله
ريـــحُ الصــــــــبا وعــــبير الــورد منبثقا
وصــــلتُ يا نـــــجــدُ. هل تدرين كم سنةٍ
بحـــثت عـــــــنك وأعييتُ النوى طرقا ؟

وصـــــلت أحــمــــــل في كـــــفيَّ أزمنةً
ماجـــــــــت بذكـــــراك تأسيساً ومنطلقا
ظللت أســـــأل عن هــــــم تلـــــبســـني
في الرمل في الشعــر في طيف إذا طرقا
إني أهاجـــــر في صـــمتي عــــلى ظمأٍ
للحـــــــرف، ما أفظع الحرف الذي صدقا
ما أفظع الحـــرف حــــين الحـــــب يجعله
غــــــيـــلان مـــيَّة عـــــاف الأهـل والرُّفقا
يقــــتاد نــــاقــــته فـــي كــــل مـــنـزلةٍ
يــبــكـــي مـــنـــازلها بالدمـــع قد شرقا
ما أفظع الحــــــــرف حـــين الحـب يجعله
قـــيســـــاً تبتل بالتــــــوباد محـــــــترقا
يـــــود لو أن طــــيفــــــاً ما يــــطــــالعه
يـــــرعى المــــها ويـــشيم البرق إن برقا
تلك العـــهـــــــود التي في النخل منبتها
في الأثل ســــورتها، في الطلح مصطفقا
تظل ما فتئ التـــــاريخ أكــــــــــــبر من
كـــــل الحــــــــــــدود وأفقاً يلتقي أفقا
لو أن شاعـــــــــرةً من شجـــوها انعتقت
لكــــنتُ بـــــوحاً مدى الساحــــات منعتقا
ولســـــتُ من تدعي حـــــباً ليشـــغــــلها
ولا أتــــــفــــــقـــــه ذوقاً لأخـــتــــلقــــا
لكنَّ يا نـــجـــد لي ســـــــــــر أبـــوح به
إني عــشــقــت !! فهل وصل لمن عشقا ؟
لو كــنــت أمــلك مــــن أمري رسمت مدى
لكـــنـــنــي قـــد عـــدمــت الحبر والورقا.
مواطنون من العالم الثالث
مواطنون كلُّنا لكننا بلا وطنْ
مُمْتَهنون كلنا لكننا بلا مهنْ
محنّطون غارقون في توابيت الزمنْ
وكلما مرّتْ مِحَنْ
كانت دماؤنا الثمنْ
ثم حمدنا اللهَ أنها أخفُّ من محنْ .
نحن أناسٌ طيّبون
وادعون
مبدعونْ
نرتّل القرآنَ في الصباح والمساءْ
ونحرق البخورَ خوفَ السحرِ والنساءْ
وإن دجا الليلُ نكون أجسرَ البشرْ
وتنتشي أجسامنا بالحبّ والخَدرْ
ونطلق الدموعَ والآهاتِ في السحرْ
نرقص كالغجرْ
حتى إذا مرّ السَّحَرْ
نبتلع الدموعَ جمراً
نضرب العِبَرْ
وحين يبسم الصباحْ
إذا بنا مبتسمونْ .
صبّحنا اللهُ بخيرْ
يا مالكَ الملكِ ويا ربَّ الأنامْ
لِتَقِنا شرَّ الكلامِ والأنام والهوامْ
وأفتحْ علينا الرزقَ في مستقبل الأيامْ
يا ربَّنا يا فالقَ الإصباحْ
يَسّرْ لنا الرزقَ المباحْ .
لقد رضُوا عنا
فلن نأكل في الشتاء إلا الريحْ
لن نلبس في الشتاء إلا السقمْ
لن نصطلي النارَ ولن نُوقدها
لكنّ ذا القصرَ العظيمْ
راضٍ علينا جلّنا
فلنعصرِ الباقيَ من دمائنا
نربط كلَّ نابضٍ في جسمنا
نصوم عن كلّ الشرابِ والطعامْ
لأننا نُتابع الإمامْ .
قال الإمامْ :
أما اللحومُ فحرامٌ أربعينْ
والماءُ والأرز وفضلُ الأوكسجينْ
والشايُ محظور عليكم منذ حينْ
وعندما يقترب اليومُ السعيدْ
ستعرفون أن ربكم بكم عليمْ
وأنه ولّى عليكم أفضلَ الممثّلين
فإن دجا الشتاءُ في ظلمائهِ
نقف عند بابهِ
نقرع واجمينْ
إنا هنا
نحن هنا
عَرَقُنا خذوه كي يظلّ جلدكم معشوشبا
لا زال في عيوننا من البريقِ
ما به يبقى حديداً قلبكم
خذوا إليكم دمَنا
خذوا بقايا دمنا
فنحن كلنا لكم
فداؤكم نحن، فداء للوطنْ .
نَصْرٌ لهذا الجالس العظيمِ مثلَ الأتقياءْ
نصر له هو الذي علّمنا أولَ حرفٍ للهجاءْ
هو الذي قدّر أن نبقى مثالَ الأوفياءْ
هو الذي علّمنا
أن نبذر الأرضَ لتُمطرَ السماءْ
هو الذي علّمنا
شَدَّ الحيازمِ على الطوى
على اللظى
على بقايا من دعاءْ
هو الذي بعزمهِ
بحكمهِ
بفهمهِ
قَدَّرَ أن نبقى مثالَ الأوفياءْ .
وكلما مرّ علينا العامُ بعد العامْ
ننسى الشرابَ والطعامْ
نفقد عادةَ الكلامْ
لكننا مواطنون مخلصونْ
لكننا مسالمون طيّعونْ .
قد عرف الأرزُ بأنا عنه دوماً صابرونْ
وعرف الشايُ بأنا الصائمون الأتقياءْ
كلُّ الفتاوى معنا
فأسمعْ لنا إلهنا
لعلنا نُقلع عما أقترف الآباءْ .
ويعرف الخبزُ بأنا قد خلعنا كلَّ ضِرسْ
ولم نعد نطمع في مأدبة ولا عَشاءْ
ولم نعد نطالع السوقَ ولا صفحَ الإناءْ.
لكننا مواطنونَ
وادعونْ
وجنّةٌ أمامنا
إذا شددنا الحبلَ لم يفلَّ في عَضُدنا
داعيةٌ مهرّج ولا أفانينُ الكلامْ
ولم يقاربْ ذهنَنا تمرّدٌ ولا اعتصام
نِعَمُنا محسودةٌ من الجميعْ
لم يستطيعوا الآنَ فهمَ سرِّها
لم تكتشف أقمارُهم
مخازنَ الصبرِ ولا مصانعَ الوعودِ والكلامْ
ونحن شعبٌ طيّبٌ يقدّس الكلامْ
كنا نحجّ للقبور كلَّ عامْ
ثم نقولْ :
إلهنا احفظْ علينا أهلَنا
وعمرَنا حتى الرواحْ.
ثم نقول في الرواحْ :
إلهَنا
أحفظْ علينا أهلَنا وعمرَنا
حتى الصباحْ .
أنا والشعر
كل الخطيئة أني لم أكن حجراً
وإن همَّ بني دنياي لي أرقُ
وأن لي في فضاء الحرف مدرعا
أسلو به كلما ناءت بي الطرق
ولي حقيبة شعر ظلت أحملها
فيها من الأرض طعم الأرض والعبق
فيها من الطلح أغصان مشاكسة
فيها من النخل أفنان لها عذق
رسمت كل حكايا الحب في لغتي
ألوانها الطيف والعناب والشفق
وقلت هاتوا من الأوتار أجملها
ليعرف الكون كيف اللحن ينبثق
ليعزف اللحن أنغاماً مهوّمة
لينصف القلم الموتور من عشقوا
دنياي هذي حروف جد مثقلة
وريشة حبرها مستنفد قلق
وحيدة في ضباب الليل يسكنني
شوق المحبين أتلوه وأحترق.
***
محمدن ولد إشدو
  • من مواليد المذرذرة، عام 1947.
  • أحد مؤسسي التيار القومي في موريتانيا.
  • أنضم إلى التيار اليساري وكان من أوائل المنتمين إليه.
  • سافر إلى بلدان عربية عديدة إبان الاستقلال ونقل تجربة الشعر الحر إلى موريتانيا، فكان أول من كتب قصيدة حرة في موريتانيا بعنوان: طابور، 1973.
  • أعتقل وسجن مرات عديدة بسبب مواقفه السياسية.
  • من أبر المحامين الموريتانيين، دافع عن معتقلي جميع الحركات السياسية.
صدر له:
  • أغاني الوطن، شعر.
طابور
ثلاث ساعات تدور
حول الصخور
بين القبور
طابور
طابور؟
يا دكتور
طفلي يموت
بباب المستشفى
بدون دواء!
يا للمصير!
أين الضمير؟
أين النصير ؟.
طابور
أمرك يا دكتور .
والدكتور
ـ من بابه الخلفي ـ
يدخل العظماء
يدخل الأغنياء
يدخل الأصدقاء
يدخل الأقرباء
يُفحصون
يُعالَجون
بالمجان
يتسامرون
ويضحكون
بإطمئنان
في أمان
يشربون
يدخنون
وينتقدون:
هذه الفوضى
هذه الضوضاء
هذا الوباء
هؤلاء البؤساء
هؤلاء الأشقياء
إنهم حقا متعِبون
ومتوحشون
لماذا يتجمعون؟
ماذا يريدون ؟
إنهم حقا مضحكون
لماذا يعيشون ؟
ها.. ها.. ها..
ويخرجون.
يا دكتور
طفلي يموت
أنتهى العمل
أرحمني
لا أمل
أ..عودي المساء
المساء ؟
يا للشقاء
طفلي يموت
بباب المستشفى
بدون دواء
ثلاثة أيام
بدون طعام
بدون منام
وسط الزحام
خلف هذا الباب
أنتظر الدور
لأقابل الدكتور
لأنقذ وحيدي من الممات
لكن هيهات.
وتمضي الساعات
كأنها قرون
من جنون.

وجاء الدكتور
صاح الجمهور:
وضع خطير
طفل يموت.

طابور
وأنطفأ النور
سنثور.
تلمسي
من عجيب العجيب أن تلمسي
تصبح اليوم ذات شأن بنفسي
ها أنا اليوم في تلمسي أسير
أي عهد بيني وبين تلمسي ؟
أين مني عرائس البحر؟ أين الـ
ـگبله مني؟ وأين مسقط رأسي؟
نفحة من عبير تلك الروابي
كيف تغدو هنا رهينة رمس ؟
ووميض من فجرها قد تلالا
كيف يخبو؛ وليلها جد مُغْسِ؟
ونشيد من "مَاغَجُّوگَه" أصيل
كيف يحلو دون انْتَمَاس وكَرْسِ.
رب يوم هناك كنت سعيدا
بين إنسي.. وليلة طاب إنسي
ألثم البدر في الشفاه رحيقا
ملء نفسي؛ وصهوة الشمس كأسي
لا أبالي بحادثات الليالي
أنفق العمر بين جَنْيٍ وَغَرْسِ
أقفرت تلكم الربوع وذلت
بعد عز.. فيومها غير أمس
"حين غابت بنو أمية عنها
والبهاليل من بني عبد شمس"
"ذكرتنيهم الخطوب التوالي
ولقد تُذْكِرُ الخطوب.. وتُنسي".
في ذمة الحق
وليلة من ليالي الصيف كالحـة
نادمتها وهي بالصهباء تغريني
رمضاؤها تلتظي تحتي تهدهدني
ورَوْحها ـ كلهيب الحب ـ يكويني
ما حيلتي في جحيم لا قرار به ؟
فالقبض يخنقني والسدل يشويني!
أسامر النجم؟ قد غالته وطــأتـها
وألبست بدرها ثوبا من الطين
وأصبح الكون قفرا لا حراك بـه
كأنه صخرة في كهف تنين
ولت؛ كمثل لُيَيْلات لنا سلفـت
في ذمة الحق؛ أبليها.. وتبليني.
تخوفنا القطيعة
لقاء الشعر كيف أتيت إنا
تخوفنا القطيعة والصراما
وهل عاش القريض وظل حيا
ولم يقتله من نشروا الحماما
تأمل من ربي كابول شرقا
ترى بغداد والشام المضاما
شعوب الأرض ترفل في إتحاد
وبتنا نحن ننقسم انقساما
أشدا حين نبطش بالأهالي
ونرحم من لنا بالهون راما
يمزقنا التفرق والأعادي
ونطلب سلمهم عاما فعاما
ويغرونا بعقد مفاوضات
وأنا بعدها نجني السلاما
فما كانت سوى آل لظام
أيرعى الذين للضأن الذماما
أترجوا من بنى صهيون سلما
أما قتلوا النبيئين الكراما
لمثل حياتنا الأحجار تبكي
وتذرف دمعها أبدا سجاما
كأنا لم نكن يوما أعزا
بأيام بها كنا نشامى
كعهد خلافة رشدت وأهمت
على كل الورى غيثا سلاما
وعهد بني أمية من تساموا
وقد ما طالما هزموا الطغاما
ولا تترك بني العباس لالا
فقد نشروا الحضارة والو آما
سألت الشعر هل لا زلت حيا
وهل في ذي الخطوب رفعت هاما
أجاب الشعر لأيا بعد لأي
نعم لا تائه المعنى بغاما
تكسر وزنه فينا فئام
فلا وقع لديه ولا نظاما
وبالغثيان منه تصاب حتما
فلا طرب به إلا لماما
وهل يحيي القريض بأرض أضحى
بها طعم الردى حلوا مداما
وهل للشعر فيها من حياة
إذا ما لم نعش فيها الهياما
فلا قيس يهيم بذكر ليلى
وما شعر الحطيئة يا أماما
ولكن القلوب تفيض حزنا
برزء رامنا ولهن راما
ولكني شعرت وشمت برقا
لهذي الأمة الثكلى تساما
سيمطر بالصواعق للأعادي
ويقتل عصبة السوء اللئاما
وتصبح قدسنا حرمنا مصانا
ونحمي الكعبة البيت الحراما.
***
ناجي محمد الإمام
  • من مواليد مقطع لحجار،عام 1955.
  • تلقى تعليمة في موريتانيا وليبيا ولبنان .
  • شغل وظائف مختلفة في وزارة الثقافة .
لم يطبع ديوانا حتى الآن.
تقاسيم على عود ابن زريق
1
أينما ولّيتَ فالصحبُ مرايا
أينَهم: قطبُ رحى الراحِ
تعاطى منتهاهُ
وحُميّا ثملتْ منها ومنكَ الكاسُ
حدّقْ هل تراهُ ؟
أَسبلِ الهدبَ وخلِّ الوصلَ يسري
إن بين الدمِ والدمع مداهُ
أتراه
من رآني
قد رآهُ
أرفعِ الأستارَ
عن طيب شذا المقولِ
عن رجع أهازيج هواهُ
مُسعِدٌ عطرُكَ
علِّلْني فإني كلما رقّتْ
ترانيمُ الصباحاتِ
أراهُ
كلما دقَّ أنينُ الدوحِ
في الروح
أراهُ
كلما رقّت جفونُ الآسِ
في الآسي
أراهُ
ليس بين الرمش والهدبِ
زمانٌ لسواهُ
ليس في الجبّة إلا مضغةٌ جفّتْ
فشفّتْ / فتماهتْ
ليس في الجبّة إلاكَ
ولاتَ المنتهى
أَبَدٌ يغشى
وهذا السرمدُ الممشوقُ
دربُ الأمدِ الزاهي
سبيلُ المشتهى
ووهمٌ.. ما سواهُ.. وا.. هواهُ.
2
أبحروا
والكأسُ ظمأى
للشفاهْ
كلما عبّوا
دعَوْا
وأستبشروا
وأنفلق الإصباحُ
لا حُجْبَ
ظلامٌ ما عداهْ
لِمَ باحوا
وسَرَوْا
والفلكُ يحدوها الصُّداحُ ؟
أسكتَ الشرُّ حداةَ القومِ
فأرتادوا
مواقيتَ النحيبْ
مُوجِعٌ صمتُ السكارى
في سواهُ
يا سراةَ الحبِّ
كم هو مهيبٌ حين ينهلُّ
الوجيبْ
فإذا الكتمانُ بوحٌ
والهوى
أن لا تجيبْ.
3
يا مُريدَ الفَلَقِ ادّاركْ سُهادَ العاشقينْ
إنهم قومٌ إذا باتوا ـ على عِلاّتهم ـ
وادّكروا
ذِكَرَ الحبِّ
وتهيامَ الحبيبِ
الفِكَرَ
طربَ الأرواحِ في إفلاتها من جسدٍ
ناءَ بحمل الـمُحْدَثِ
فأعْتقِ الروحَ / إذا الليلُ دجا
يا مُحْدِثي/
من جدثي
لا تقلْ:
قد سكر القومُ
ولكنْ حَدَثوا
لا تقل:
حلّوا
ولكن رحلوا
لا تقل:
حثّوا الخطى
بل لبثوا
هل تراهم في مسافات الهجوعِ
بَرَداً يبكونَ /
في حال التجلّي / مطراً / يأتون في
حالِ السطوعِ
كيف عادوا..؟
كلما عادوا
مضَوْا
وأعشوشبَ العشقُ على آثارهم.
4
فإذا
الكونُ ظباءٌ وفراشاتٌ
وشيءٌ من هديل الغَسَقِ المحزونِ
والأشجانِ والذكرِ الجميلْ
وغدايا
وصبايا
وزجاجاتٍ
وعطرٍ
وفُتات من نُثار الوجدِ
في العِطْف النحيلْ
وبقايا الحزنِ في الخدّ الأسيلْ.
5
جَرّدِ النايَ من الإثم وداعبْ شفتيهْ
ودَعِ الشعرَ يناغي يا "ابنَ أدهمْ"
فإذا "الحلاجُ" فوق الغيمةِ البيضاءِ
صبحٌ يتبسَّمْ
وإذا الدنيا
وما بعد النهاياتِ تَجسّمْ
وتجلّتْ روعةُ الخُلْدِ
حلولاً
يملأ الرجعَ سلاما
باسقٌ نخلُ "المقاماتِ"
مقاماً
فمقاما
أيها "الجيليُّ" شُدَّ الوترَ
ها هي قد صفّقتْ في كأسها الراحُ
وقد قلّ الندامى
يا سقى اللهُ بدورَ"الكرخِ"
كم في"فَلَكِ الأزرارِ" أزمعتَ مقاما.
لبيت جالا
ومحمد الدرة
لأنهم
يا صاحبَ العمامة الخضراء
والملابس المهلهلهْ
يا لاقط "السجيل" "درا"
إنهم يا "حنظلهْ"
حثالة ٌ
مهرولونَ
جهلهْ
لأنهم
يا سادة العزة
والحجارة المؤلـلـهْ
شراذمٌ
ممزقون
خائفونَ
طامعونَ
في فتات الخبز والملابس المستعملهْ
عاهرة تقودهم
تأكل بالثديين دون بسملهْ
ألقابهم تقتل فينا العز
دون حسْـبـلهْ
المدمنون"الذل
والسُّجدُ لهْ.
معذرةً
يا سيد العزة
هذا العصر
عصر المجد والدم الأثيل
نحن لهْ
نحن المحاصرون بالأقزام والأزلام
والبيادق المجندلهْ
سنحرق الليل ومن يزرعه بالقتــلهْ
نمشي بلا "نعش" إلى ديارنا
في القدس في "حيفا" على آثارنا
سنابل
قنابلٌ
قصائدٌ ومقصلـهْ
لبيت جالا حاملين وردةً مبللهْ
بدمعنا
بعطرنا
بالحمدلهْ.
نمشي إلى غزة في شموخها
ضاحكة مستبسلهْ
من حولها "بنغازي" أو "وادان"
أو طليطلهْ
تعلو على أيامنا المجللهْ
تسمو على رايتنا
فوق ركام خوفنا
على حطام صمتنا
أفكارنا المعدلهْ
من لم ير "الدُّرة" في دمائه خلف الحدود المقفلهْ
لم يعرف الله ولن يغفرَ لهْ.
رحيل مواسم الفرح
يسافر فينا الحنين إلينا
ويأكل أحلامنا الغول
تأكل أطفالنا السوق
ينتعل اليأس أكتافنا
ونقول:
غدا سيطل على العالمين الصباح
نحاجي
ويأكل أضغاث أحلامنا
"الحادث" المتكور
خلف الخيام
"بعشرين ظفرا"
يطارد عند حلول الظلام
الصبايا.....
ويحرمهن لذيذ المنامْ.
لماذا ؟
أخا الدهر
ترحل عنك المواسم والفرح المستديم
ويقطن بين جوانحك الهم
آه
أخا الزمن المر
يا وطني
لماذا تهاجرعنا مواسم صحو الصبايا
وتسكت"شــنة" موالنا المقمر ؟
لماذا تكشر فيك السموم وينهار
بــيت القصيد على ساكنيه
لماذا تموت الزهوز
وبين سفوحك يندلع الشوك
هذي الرياض تكلس فيها الحمأ
كأن لم تكن
حين كان الرعاة بها ينشدون
الثنايا ـ المرايا ـ الجفون
"ولا يحزنون".
2
نهاجر فيك ونبحث
عنك / ونسأل عنا
أكنا الذي كان / يا وطن العشق /
أم أننا قبل
ما قبل كنا
نسافر فينا إلينا
ولكنها خطوات المعنى
نمر بألف مراب
وألف محاب
وسبعين ألفا من المخبرين
بأنا نمر
بدون جراب
يعدون كم في حذائك من شوكة
كم تساوي
إذا قيس بالشوك
من تلتقيهم
ومن تنـتـقيهم
ومن يحملون إليك الرغيف النحيف
يأدمه العرق الحلو والنية الطـيبهْ
لماذا يجوس المرابون
يا وطن الدمع
بالخربة المقفرهْ
لماذا الغريب / القريب يدع أحاسيسنا
والنعاس الذي قلما زار أجفاننا اليابسهْ
ندع لماذا ؟
لماذا ندع
وهب أننا الغرباء
وليس على الحوض غير الحمر
لماذا الغرائب يا وطني
سيدات البلاط ؟
وكم فيك من سمر وجوار
وكم فيك من سحر وطرب
حين كان
الذي كان
يا وطنا كان
فيه الأدبْ.
هذي الغربية جرباء، والتاج، يا وطني، لا يزيل الجربْ
ولكنها، ستقول الغرائب: تاج
وما أعظم التاج عند العربْ
تقول الغرائب عنك الغرائب.
يا وطنا
كبرت فيه كل الخطايا
ولا زال تكبر، رغم الذنوب، محبتـه في المآقي.
تورم دمع المحبين، من وله فيه، منه، تقرح ليل
الوجع
فوجعْ.
3
سمة العشق والعاشقين الكمال / التفرد
في سبحة من حريق القلوب
يردد منظومها المتناثر من صلوات
الفناء / التوحد
مبحرة دون ربانها سفنهم
يا صبابة لا تقلعي
إنما الماء / جفني فلك
هي الفلك / ماء ونار تبارح شط الجفونْ
بلا منتهى
ليس في الأفق مرسى
ولا منتهى
يا صبابة هذي الصبابة شبابة
أبحرت
سكن الليل ملاحها السفر المقمر
الشدو ـ شجو إذا سكر الشعر
يمتلئ الناي نوحا
فينشطر.
هو البوح يا وطني شاهد
يكتب الشعر عن زمن العاشقين
وينشر ما كتموا / ثم يكتم ما نشروا
من تباريح
تبا لريح تطاير أسفار ما سطروا
تباريح شفت تلافيف ما بـين بث الضلوع
رسيس بلابلها من نحيب بلابلها
والشجون فضالة شجو عليها انطوى الصمت
في الزمن المرهف اللحظات
ليودعها الأيك سفر النـزوح
تسح نجيعا
إذا ذكرت عرصات الحمى
والصبايا / الفراشات ترفل بين "مسائلها"
"بجدائلها"
"بخمائلها"
"بمسائلها".
4
لماذا تهاجر
يا وطني
عنك ذاكرة الشوق
يسكنك الصمت والواقع ـ الذل والمجبرون
على الراهن ـ الزمن ـ الكفر والمومسات / القططْ
إذا غربت شمس هذا الأصيل
فلا أمر
لا خمــر
هذا الزمان سقطْ
خراف وبط وخمسين ألف حصور فقطْ
ونبقى نسائل عنا الزمان
وعن ليلنا المستديم
وعن عينات من الشعر
والعرب بادت.
ورمل قديم وبدر وشطْ.
***
الخليل النحوي
  • من مواليد الركيز، عام 1955 .
  • تعلم في المدارس الأهلية والنظامية.
  • عمل في الصحافة وفي وزارة الإعلام، وفي الألسكو .
  • يعمل حاليا مستشارا لرئيس بالرئاسة الموريتانية.
لم يطبع ديوانا حتى الآن.
بيروت
بيروتُ كلُّ القارعاتِ سلامُ
ذهب الرجالُ ودالتِ الأيّامُ
البحرُ حولَكَ موجةٌ من دمعنا
ودموعُنا للسامرين مُدام
نبكي وبعضُ بكائنا ضحك وبَعْـ
ـضُ شجوننا وهمومِنا أوهام
والصخرُ، يا بيروتُ، رملُ قلوبنا
قستِ القلوبُ ولانتِ الآكام
لا تنكري الآهاتِ فَهْيَ نشيدنا
وترنّحي فأنينُنا أنغام
لا تنكري إحجامَنا وذهولَنا
إن الرجولة عندنا الإحجام
لا تطردي فرسانَنا ففوارسُ الْـــ
ــزَمنِ الجديدِ عجائزٌ.. أقزام
لا تُنكري إغضاءَنا وحياءَنا
فالأرضُ رمل.. والرجالُ نَعام
لا تمنعينا أن نُهدّم بيتَنا
فقصورُنا مهما علونَ حُطام
وإذا هجعنا في الوغى فتفهّمي
فالساهرون السامرون نيام
لا تنكري أحسابَ قومكِ.. إنهم
هلُ النُّهى لكنهم أيتام
فجدودُنا من تعلمين شهامةً
قِممٌ كما الأخوالُ والأعمام
صِيدٌ ولكن لا يُحارِب ضدَّنا
حامٌ وعنا لم يحارب سام
بيروتٌ صبراً ما لرهطكِ حيلةٌ
إلا الكلامُ، وهل يفيد كلام ؟
ستقاتلين العالمين وحيدةً
فبنو أبيكِ عن القتال صِيام
كلُّ الخصالِ تشيّخت فى قومنا
إلا الكرامةَ فَهْيَ بعدُ غُلام
كثرتْ مضاربُنا وطال بناؤنا
فبكلّ سفحٍ دارةٌ وخِيام
وبكلّ وادٍ رايةٌ مشطورةٌ
وبكل حيٍّ شرطةٌ ونظام
وبكل بطنٍ للبَسوس غوائلٌ
وبكلّ بيتٍ ضجّةٌ وخصام
وسحابةُ الدمِ في سَمانا دِيمةٌ
هطّالةٌ حيث السحابُ جَهام
وبكلّ أنديةِ القمارِ رؤوسُنا
مرفوعةٌ ورؤوسُهم أقدام
وإذا ثريٌّ صال منا صولةً
فَهُو الكميُّ الفارس المقدام
وإذا تُدار الكأسُ ذاتَ عشيّةٍ
في محفلٍ فبنو أبيكِ كرام
لا يخدعنَّكِ بعدُ رقمٌ هائلٌ
فقليلةٌ أبداً هي الأرقام
سلب الغزاةُ حقولَنا وعقولنا
وحلومنا فكأننا أغنام
لُبُّ المصيبةِ أن تعيش بذلّةٍ
فالذلُّ موتٌ في الحياة زُؤام
بيروتُ أنتِ القدسُ أنتِ ديارِنا
أنتِ الشآم وكلُّ أرضٍ شام
في كلّ قلبٍ منكِ نبضٌ عاصفٌ
وبكلّ صدرٍ أنّةٌ وسَقام
وبكلّ جسمٍ منكِ جرحٌ نازفٌ
أنتِ الجراحُ وكلُّنا أجسام
فإذا ركعتِ فأنتِ حُرُّ وجوهِنا
وإذا هويتِ فأنتِ منا الهام
بيروتُ صبراً يا أعزَّ أسيرةٍ
في كلّ بيتٍ والبيوتُ رُكام
شابت نواصينا وطال رضاعنا
فمتى نشيب، وهل يكون فطام ؟
ومتى نكفّ عن البكاء ؟ فإنه
غاض الكلامُ وجفّتِ الأقلام
آلامنا رحمُ العُلا ومخاضُها
فمتى ستُنجب هذه الأرحام ؟
بيروتُ أنتِ قصيدنا ونشيدُنا
كلُّ الهوى إلا هواكِ حرام
لم يبقَ في ظُلَم الليالي شمعةٌ
إلاكِ.. فالدنيا سواكِ ظلام
لم يبقَ في الصحراء إلا أرزةٌ
لم يعدُها ظلٌّ ولا أنسام
لم يبقَ إلا خيمةٌ عربيّةٌ
لم يبق إلا صهوةٌ وحُسام
لا تيأسي، لا تيأسي، فلنا على
عِلاّتنا هِممٌ سمتْ وذِمام
فلربّ قارعةٍ تُنبّه نائماً
ودمٌ جرى فتفتّقتْ أكمام
أنتِ المعادُ وكلُّنا سَفَرٌ وكُلْ
ـلُ رحيلنا إلا إليكِ مقام
كلُّ الحياةِ إلى ذراكِ مسيرةٌ
كلُّ الجهاتِ لمن يسير أمام
وغداً يهبّ النائمون، غداً يعو
دُ الفاتحون وتُورِق الأحلام
ويرفرف العلمُ الكبير مُظلِّلاً
سعفَ النخيلِ وتسقط الأعلام.
وطني
وطني بين الروابي خيمة
آوت الحب وأحلام الصبا
أرضعت شمس الضحى أطفالها
وغذا ليل النجوم الشيبا
وطني حلقة شعر كلما
أنشد المنشد فيها أطربا
وطني محراب ذكر وهدى
سجد الحب به وأقتربا
وطني بين الصحاري نخلة
أجتني البسر بها والرطبا
وأحاديث ونجوى سمر
وجبال تتحدى الحقبا
الليالي قبة من ألق
فاض نور فوقها وأنسكبا
فاذا أشرق بدر في السما
زاد إشراقا بها وأقتربا
وسرى يرتاد في أرواحنا
مشرقا رحبا ويأبى المغربا
وطني درة تبر تجتلى
لهبا والنار تجلو الذهبا
فإذا الحر تغشاها زهت
وأبت إلا جلاء وأبى
وطني روض أظلته المنى
رب روض بالأماني أعشوشبا
أبذل الحب له، أبذره
في الربى، سقيا لهاتيك الربى
فإذا نوء الضحى ظلله
وسقاه عرق الجد ربا
وطني طيف جواد مقبل
وكمي مدلج والشهبا
يرفد الانهار بحر واحد
نبع البحر هنا وأنشعبا
لا تخافوا موجه إما طما
لا تقولوا بلغ السيل الزبى
نحن أهل الوحي من أسلافنا
قد ورثنا آيه والكتبا
قيم ضاعت، أضعناها سدى
وأنتسبنا فاضعنا النسبا.
***
رسالة إلى إبن عامر
قم أبا بكر تفقد موطن المجدوعانق فيه جيل الأوفياء
هذه دولتك الحرة تبنىمن جديد بين أرض وسماء
غضة كالزهر روتها دماءوقرون من كفاح وانتماء
هذه دولتك الحرة كانتحلما هشا وبعضا من رجاء
مثلما تبنى الحضارات كبعث الـأمس تحيا أو كصنع المعجزات
قد بنى أحفادك الصحوة فيهامن عصارات التلاشي والشتات
حرة صارت وكانت دفقة منألم غض وطيفا من سبات
لم تكن إلا خيالا تداعىفي الصحاري أو بقايا من ذكريات
كانت الأحلام حتى خلقاء الثاني سرابا والنهايات سراب
رقعة تشو هموم الزمن القاسي وشعب يحتسي الدنيا عناء
يسحب الواقع أذيال التحديويطول المستبدون السماء
لم يصدق بعد شخص أن في الصحـراء ماء ومن الفجر ضياء
حقب زرقاء تبتني عودة التاريخ فالتاريخ أحيانا يعود
أيها القائد أقبل دقت الساعة وأنهالت على الدرب الحشود
أنت فينا البطل الخالد يحيامن جديد رائد شهم يقود
كلنا خلفك تاريخا وأقدارا وشعبا ثكنات وجنود.
العائد
عقد الحــزن منطقي وبيــانيأتراني أقــوى عــلى الهذيان
أتراني أنهنــه الدمــع صبراوأذود الأحـــزان بالسلــوان
قرع الـدهر مــروتي وأرانيمن تبــاريح صرفه مـا أراني
في نجوم تنزاح والليـــل داجوزهور تذوى وعـــز مهـان
يا زماني لطفا.. فحســبك منيما أعاني من الجوى.. يـا زماني
أيها العائد العزيـــز المـسجىفي خشــوع الجبـاه والأجفان
في بريق العيـــون يلمع فيهاحُلُمُ المجــد أيــــما لمعان
في شموخ الأنـوف عزا ورفضاتتحدى غوائــــــل الحدثان
في وجيب القلوب تــخفق فيهاكبرياء الشبــاب في عنفــوان
في هموم الرجـال تغزو الأعاليفي علو النــهى ونبـل الأماني
في التماع اليراع يفـري الدياجيفي سمو الرؤى وســحر البيان
إن تحدّى فضــربة من حسـامعربي وطعنـــة من سنــان
أو تغنى ففي سبيـــل المعاليولمجد الزمان منـــه الأغاني
أيها العائـــد العـزيز المسجىفي خشـــوع الجباه والأجفان
هل رأيت الحيـاة عبئـــا ثقيلامن وراء الأســوار والقضبـان
هل نقمت الزمان وهـو عقيــموأفتقدت الفرسـان في المعمعان
هل تعجــلت أن يشــع ضياءفي ظلام الهـوان والحرمان
هل سئمت المنفى فهزك شــوقوحنين إلى ربى الأوطان
فتلقتك بالدمــوع الهـــوامىوتسامت إلــيك بالأحــضان
بادلتك الحنيــن شوقــا بشوقوحنانا مؤثرا بحنان.
أيها العائـــد العزيـز المسجىفي خشوع الجبــاه والأجفـان
أيها الشامخ الذي طـــال حتىنال ما دون نيــله الفرقــدان
أيها الفاتـح الذي أكتسح الكــون بلا سطــوة ولا سلطـــان
أيها الفارس الذي ركب الشـمـس جوادا وجال في الميـــدان
شاهــرا سيف طـارق بن زيادبين صيد أشــــاوس عربان
نم على صهــوة الجـواد قريرافارسا في طليــــعة الفرسان
وخض البحر في سفيــن المنايافالمنايــا مطيــــة للأماني
وتألّقْ كمـــا تــشع الدراريفي سماء الشعـــور والوجدان
وتَفتّقْ كزهرة الـــروض تنموفي الصحارى، كـوردة الأقحوان
قد فرشنا لك القلـــوب مهاداوبنينا لك الضلـــوع الحواني
فإلى الخلد في ضميــر اللياليوإلى الخلد في نعيـــم الجنان.
أيها العائد العزيـز المسجــىفي خشوع الجباه والأجفـــان
يا نشيد الكفاح، يا نغَــمَ العـزة والرفض، يا أميـــر البيان
يا فتى يعرب وفــــاء وبرايا أخا المجــد يا فتى الفتيان
لك عهد الرجــال كفا بكفوبنانا إلى العــلى ببنــــان
يتمنون كــــل ما تتمــنىويعانون في الهــوى ما تعاني
عقدوا العزم واستحثــوا المطايافي سباق مقــدس ورهـــان
سوف ترسو سفينــة الحُلْمِ يومابعد طول الســرى ببـر الأمان
وتخط الشموس سفـــرا جميلافي شحوب الكثبـــان والشطآن
وتغني بلابــل الــدوح زهواوتدب الحيــاة في الأغصــان
فإلى الخلد راضــيا مطمــئنايا فتى (الشعب يا عظيم المعاني).
***
خديجة بنت عبد الحي
  • من مواليد المذرذرة، عام 1965.
  • توفيت عام 2002.
  • درست العلوم الشرعية واللغوية على والدها.
  • تخرجت بشهادة الأستاذية ـ المتريزـ من المدرسة العليا لتكوين الأساتذة بنواكشوط، 1988.
  • عملت أستاذة بالتعليم الثانوي، ثم رئيسة لمصلحة المكتبات بوزارة الثقافة.
لم يصدر لها أي ديوان.
فرحة اللقاء
داعبتْ فرحةُ اللقاءِ جنَانيوأنبرى سحرها يُناغي بياني
بشَّ في وجهنا الزمان فكانتفرحة العمر وانبلاج الأماني
دغدغ الحب فوق أوتار قلبيساريا في دمي كهمس الأغاني
كل حرف أحسه في انجذابلأخيه بالود يلتحفان
كلمات الترحيب تركض سكرىمثلجات الصدور تحنو دواني
مرحباً مرحباً، وأهلاً وسهلاًأخواتي على ربا موريتان
قد شربنا المدام من سكرة الأفــراح وأنهلّ شعرنا كالمثاني
نتعاطى في شرفة اليمّ كأساقدُسيا مشعشعاً بالحنان
وتغني بلابل البحر لحنارددته جدران غُرِّ المباني
بوركت نجعة التوحد هذيبلسما للجروح مما أعاني
نجعة في قلاع عقبة مرتحلما أخضرا لبضع ثواني
نخلة ها هنا أنا أخواتيكبريائي تأبى قيود الهوان
تركتني أمي هناك لأرعىعهدها في الربا، وأحمي المغاني.
الأرجـوحــة
وأبيتُ أسقي النخلة الفيحاء يكبرُ ظلها في داخلي
وتضيع صورتها من الأفق المكفَّن في الغيوم
أرجوحة
في الحندس الممتد من بحر الجنوب.
أبحرت أشرعتي حباب الرمل في الريح السموم
نبض تواتر من غرام تمزقي
إعصار أمسي في تهدج بحة
بلج الأصيل
يخبو صداه على مشارف زورقي.

عينان تستبقان
في الأفق الجريح
ثقبان يحترقان في العدم السحيق
أرنو إلى شبح الهجونة نائماً
في طلعة النسر الوليد.
***
النسر يرمي باقة
زرقاءَ في وهج الأصيل
تتلقف الأيدي زهورا بين أكومة الرماد
زهر نضير
عبق برائحة الزجاج
بكر وتغلب هائمان بحب نسرهما الوليد
يتهيآن
للعبة الشطرنج في نادي هرم
وأنا أصارع موجة هَوْجا تعربد حول أشرعة الوصول
فأرى الضفاف الصُّفر في حُمَّى العبور.

الصقر يلهث حائما
بين النخيل
وبين أروقة الزهور
ويكاد يسقط في رياض حمى كليب
يمضي فيخنقه غبار النحس من نقع الشمال
يتثاءب الإعصار من حين لحين
والزورق الظمآن مضطرب الشراع.
هي الأم
نفى ضجعةَََ السلوانِ عنكِ سريعا
ضجيجُ همومٍ لا يزال مُريعا
همومي زنابيرٌ تحوم بمضجعي
فتلسع جفني إذ يروم هجوعا
وألتمس السلوانَ في غمرة الأسى
لأُحسنَ في شأن العزاءِ صنيعا
فيخنقني الدمعُ السخين بغصّةٍ
تجيش فتأبى للحديث ذيوعا
طواكِ زمانٌ هبّ بعدكِ هارباً
يسوق الليالي كالقطيع أُريعا
أثاثُكِ فوّاحٌ بذكراكِ لم يزل
لطلعتك الغرّا يحنّ ضريعا
فسجّادةٌ تبكي التلاوةَ والدُّعا
وتبكي سجوداً فوقها وركوعا
ومسبحةٌ حبّاتُها ذرفتْ على
بساطِ المصلّى حسرةً ودموعا
ومصحفُكِ المحبوبُ ثاوٍ بركنهِ
يردّد آياتِ العزاءِ خشوعا
حصدتِ مع المستغفرين لربهم
بالآصال والأَسْحار ثَمَّ زروعا
وأبقيتِني في بلقعٍ تستفزّني
طوارقُ شوقٍ كالسهام وُقوعا
فأفلستُ مذ فارقتِني وتراكمتْ
همومي وما عاد الربيعُ ربيعا
كأن فِطامي لم يكن وكأنني
فُطِمتُ فجُرِّعتُ الهمومَ نجيعا
ولو كان سعيي مثلَ سعيكِ في التُّقى
لآثرتُ في الركب اللحاقَ سريعا
ولولا وصايا عنكِ كنتُ وعيتُها
لأشفقتُ من ذكر الهمومِ جميعا
وما عرف الحسّادُ أني حزينةٌ
ولا كان حزني في الجموع أُذيعا
ولم أترنّم بالقوافي تَعِلّةً
ولا كان شعري في الرثاء بديعا
وكيف لهذا الشعرِ إطفاءُ حسرتي
فما هو إلا الزيتُ زاد سطوعا
أقول لقلبي حين ضجّ به الأسى
وعزّ عزاءً واستمرّ صريعا
فؤادي تمهّلْ جئتُ آخرَ عصبتي
فكن لي بحظّ الآخرين قَنوعا
ولكنّ ذكراها تعود فتنبري
زوابعُ حزنٍ لا تريد رجوعا
هي الأمُّ في أحضانها العلمُ والهَنا
ومن هديها تعطي البنين شموعا
سقى غيدقُ الريحانِ والروح روحَها
وحلّتْ مقاماً في الجِنان رفيعا.
***
محمد الحافظ ولد أحمدو
  • بعد أن حفظ نص القرآن الكريم وهو صغير، حفظ الكثير من أشعار العرب، وركز اهتمامه على الشعر الجاهلي .
  • وحين بلغ سن الخامسة عشر بدأ ينتج الشعر، ومع بداية عقد السبعينيات وتزامنا مع دراسته في الإعدادية، واحتكاكه بالمحيط الخارجي، بدأت موهبته الشعرية تتفتق، وكان من بواكير إنتاجه قصيدة فازت بجائزة الشعر للمدرسة في إعدادية أبي تلميت، التي كانت وقتها تسمى "معهدا إسلاميا".
  • وبعدما التحق بالثانوية (1973-1974) لاحت له آفاق جديدة على الشعر الحديث من خلال المطالعة في المراكز الثقافية ومن خلال الكتب التي كانت تصل من المشرق.
صدر له:
  • كابوس الخريف، شعر، 1974.
  • عودة الهديل، 1975.
في حانة ابن الفارض الصوفية
هل باب خدرك للعشاق مفتوح
يا ربة الخدر كم تهفو لك الـروح
يا معرج الروح في مرقى قداستها
إذ هيكل الأرض إحسان وتسريح
من كم حورية تغفو بحجلتها
لها من سنى الخلد التلاويح
من سكرة الورد من نور الضحى
غردا بما به شكر الغيث الأباطيح
من نفح سبابة الراعي مساء ندى
غمامه فوق بسط الأفق مطروح
من هذه المزق الأنفاق من قزح
وشى الفضاء به المزن الدواليح
أنت التي إن تهادت في مسيرتــها
يسرى بمخشوشب الأجسام تلقيح
الحب روح مطل من نوافذنـــا
عن أنفس الناس بالتقديس ترويح
أخصوصبت من أديم الأرض سنبلة
وأحضل من رمة البهمى الصحاصيح
وعاودت سيرها الأنهار جاريــــة
منها إلى جنة الخلد المطاويح
يا ربة الخدر ما خمر بعاتقـــــة
إن لم تناد: بما أكننتم بوحوا
حبابها من ثنايا الصبح بسمتــــه
وتحته الغسق الوردي مذبوح
ما عاقرتها من الأرواح مرعنة
إلا ومنها خبيئ النفس مفضوح
ولا تلامسها أقلام شارحـهــا
إلا وأغربها شرح وتوضيح
يا لمسة الساحر الموهوب هل قدر
على المحبين أن تغلي الجوانيح ؟
بطاقة دعوة إلى أبي حيان التوحيدي
أقبل على الرحب عم يا شاحط الدار
إني أحسك هفهافا على رئتي
اقرأ بربك ما دونت من سدم
اقرأ كتابك للدنيا فإن به
إني أحسك كابوسا يطوقني
يا تائه اللب في دنيا محجبة
اقرأ بنقطة باء الغيب يا قاري
وأثقب من العالم السفلى جلدته
فكك مركبة التكوين ثاوية
مزقت سفرك فلتنشئه ثانية
وأعصر من الخلد كرما قرقفا غدقا
مزمارك الشمس كالنشوى مطوحة
وجوقك الجن والأطباق طائرة
مخلدا بشنوف الوهم ممتطيا
أقراطك الأمل المشبوب راقصة
وفكرك الشامخ الجبار منتصب
أسلك ممر سنين الضوء منجردا
أطواقك الخلد وهاج سبائكه
إني تناسخت في عينيك ثانية
يدعونني القطب بهو الشمس دائرتي
إني أوشح بالحنا حقولهم
وأمسك الماء والنيران ذين معا
تطلسمت فيك رؤيا الأولياء فما
تذوي القناديل في عينيك شاحبة
لولا أغاني حشاشات الوجود وقد
كشفناها من إزار الشمس من حبك
إذن لأطمعت نار الحقد ما كتبت
وا لوعة الحبر قد خيطت جوانحه
من قصة الحرف، من إحباط لعنته
تكرست من نصال الشك غابتها
تمصر المدن الفضلى خرائطها
وفيك قد نفش القطعان أي غبا
مهلا ولطفا أبا حيان يا أبتي
مدائن الملح في نفسي مشرعة
مقرفص في فجاج التيه كبلني
تخور في راحتيك النائبات كما
أيحتسي السم سقراط وتقحمها
تؤبر النخل في الجوزاء مشربها
ضلو بعقلك لم تبرح مدائنه
وقد كسوك مسوح الصوف آونة
وأنت أنت أماليد مطوحة
لولا مآسيك لم نعرج إلى فلك
يا طائرا من غرانيق النبوغ هوى
فكفكفته مآتي الحرف عالية
الروح منك الطباق السبع منشؤه
ها أنت للرملة الوعساء مخترق
عد، عد إلينا فإن الموميا مزقت
مدمدما فوق ريح ذات إعصار
بردا من الثلج أو فلحا من النار
تطفو على الشمس عصرا بعد إعصار
تململ القهر في عيني سنمار
كبسمة الغول إن حنت إلى الثار
يا شارد العقل في مشتط أفكار
فيك أمحيت دواوينا من أشعار
وأصعد إلى العالم العلوي يا زار
منها السواري على أوتاد فخار
وأسكب تعاشيب جنات وأنهار
كناشئ الحلم أو تهويم أزهار
في مدرج اللا تناهي عبر أسفار
تجاذب الشمس مزمارا بمزمار
طرفا من الليل مثل الكوكب الساري
منه العذارى، وقد غنت لسمار
ملء الحياتين لم يخنع لجبار
وأدرج بليسية البسطامي يا حار
واللازورد أكاليل من الغار
سعيا على جرف من حظك الهاري
وقبلها كنت أدعي سارق النار
وأودق الفجر وكافا من أمطار
وأعصر الخمر من نار وأنوار
تفضي بأسرارها إلا لأسرار
كيما تنير ضريح النازح الدار
دبت بهن حميا خمرة العار
من السموات ذات القرقف الجاري
يدي، "ونطيت" للفيران كالفار
على دماميل من كبت وإنكار
كمثلما سخرت أفلام "غوار"
في خافقيك كما تخراز أبار
حلم النبوغ، أيا غريب الأطوار
هذا وسعي مهيض الرأي خوار
مأساة عقلك قد غاصت بأغواري
للاتوقع والطوفان تياري
ذلي وقهري وإبلاسي وإعساري
ظلت يهوذا بوهخم العجل خوار
سعيا بزندك عار المنكب الواري
خضر الحقائق من مسكي أفكار
عزيزة ما تني أبكار أسوار
وألحقوك بضلال وفجار
إمتاع مقوين أو إيناس أسمار
الأفلاك من تحته حافات صنار
من حالق نازعا شوقا لأوكار
لا تبعدن رعاك الله من جار
إن الضباب نزوعات لأوجار
قرصا من الشمس أو مخضل أشجار
والشعر بعدك أشلاء منقار.
***
محمد كابر هاشم
  • من مواليد تجكجة، عام 1953.
  • حصل على دبلوم المركز العربي للدراسات الإعلامية بالقاهرة .
  • يعمل مفتشا عاما في وزارة الاتصال.
  • عضو الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
  • رئيس رابطة الأدباء والكتاب الموريتانيين.
صدر له:
  • حديث النخيل، شعر، 2005.
نسغ الزيزفون
حسناء لا تستنجدي
إياك أن تستنجدي
فيسمع السلطان صرخة الحريم
وهو الكريم ابن الكريم
يكره أصوات الحريم
يصادر الأحلام يركب الأوهام
يقدم العلاج للجلاد
فيرجع الجلاد
هذا يقول يا مولاي
الناس من طين وماء
ماذا يقول ؟
الناس من طين وماء
هذا كلام فاحش
من علم الحلاج قولا مثل ذا ؟
الناس من طين وماء
هذا كلام الحاقدين المارقين
الرافضين السلطنة
مسيرة أو ميمنه
ماذا يهم ؟
هذا كلام الحاقدين الجنباء
الناس من طين وماء
سيعرف الحلاج من هو أنا
سيعرف الحلاج من هو الجنى.
حسناء لا تستنجدي
تجلدي
تجلدي
ولتزرعي ضفائر الحسان في أرض السكون
ولتطعمي معاصم الحسان نسغ الزيزفون
ولتلقمي زماننا الأبخر أثداء الحسان
وذكرى غبشان
ذكرى السلطان
بقولة الحلاج فوق الجلجلة
كن من تشاء
الناس من طين وماء.
***
حسناء لا تستنجدي
تفجري
تبددي
تفجري
وفجري جسمك
لا تستنجدي
لا تصرخي فتقطعي خلوة سيدي السلطان
فسيدي السلطان يكره الأحزان
ويكره التفكير
يهوى الصولجان
يقدس الأمن
يحبذ الأمان
وليله نهاره بين النساء
أو السباب والهجاء
يكره الإستنجاد يكره الفداء
لا سيما من النساء
فهو الكريم ابن الكريم
يكره أصوات الحريم.
حسناء لا تستنجدي
تجددي
تجددي
وبعد ما تزول أكداس الظلام
وتظهر الضفائر الحسان من فوق الغمام
وتمتلي أرض السكون بالزحام
سيعرف الرجال والنساء
أن فتاة حلوة مثل "سناء"
تفجرت من أبسط استنجاد أو نداء
فسيدي السلطان يكره الفداء والنداء
يصادر الأحلام يركب الأوهام
يقدم الحلاج للجلاد فوق الجلجة
كن من تشاء
الناس من طين وماء
الناس من طين وماء
الناس من طين وماء.
موعظة في ثلاث شعب
جلى هي الزورة الميمون طالعها
جلى منافعها
جلى منازعها
جاءت وأمتكم مفجعة
قفر مرابعها
وخم مراتعها
آه.. وآه.. وواحرباه.. واأسفي
قريظة الذل تستشري مطامعها
يا للعروبة ديس المجد وأغتصبت
مآذن القدس
وأستبيح جامعها.
يا فاتح العرب ذا تموز يعرب من
ذؤابة العز من قحطان أو مضرا
شعب به طارق مرت مراكبه
من مجد أمته يستلهم العبرا
شعب يرى منهج الإسلام منهجه
شعب يرى الوحدة الكبرى له قدرا
شحت منابعه جفت مزارعه
غارت ينابيعه تستمطر المطرا
قد كاد يمسخه المستعمرون إلى
أن جاءه في تموز مبتدرا
وعددها كان للضاد الكبير صدى
يهدهد النخل في شنقيط والعشرا.
يا فاتح العرب.. يا تموز إن لنا
سؤلا خلاصته؛ أن وحدوا العربا
من المحيط إلى ذاك الخليج ففي
توحيد أمتنا نصرعلى الغربا
ففي فلسطين.. في لبنان قد سلبت
نساء أمتكم.. والعار قد لزبا
وفي المحيط هنا حرب ظلوم غدا
صليلها يقطع الأرحام والنسبا
هبوا إلى السيف فالأخطار محدقة
وجيش شارون شد القوس والطنبا
لا وقت للمدح أو للمادحين ولا
للواعظين ولا مكان للخطبا
ألا أنفروا.. والسيوق الحمر مصلتة
للثأر.. للمجد.. لإسترجاع ما سلبا.
حديث النخيل
حَدّثَ النخلُ قال ذاتَ زمانٍ
كان مهدي للفاتحين مَقيلا
أكلوا التمرَ زادَهم ونواهُ
قد رمَوْه فكنتُ منه النخيلا
حملوني من نبع "يثربَ" ذكرى
من عبيرٍ تفوح عطراً جميلا
طبتُ فرعاً وموطناً وفصيلاً
وقبيلاً ومنبتاً ومَسيلا
كنتُ في الـمَحْل والخطوب رخاءً
وملاذاً ومنهلاً سلسبيلا
كان سَيْبي للمعتفين مِجَنّاً
دون عِرضي وكنتُ ظِلاً ظليلا
فَصَّلوا سمتَ قامتي وغَذَوْها
كبرياءً وعنفواناً أصيلا
لم أذق يوماً للفسولة طعماً
مذ غذوني وما نبتُّ فسيلا
عوّدوني أن لا أرومَ انحناءً
ولْيَكُ الجدبُ ـ لو يشاءُ ـ طويلا
قـدَرُ النخــل أن يـظـلّ دوامــاً
رافـعَ الهـامِ أو يكونَ قتيـــلا
كان ظلّي للصافنات مقيلا
خيلِ فتحٍ تهدي الصهيلَ صليلا
كلُّ جرداءَ مبتلاةٍ بقَرْمٍ
يحسب النقعَ هامُه إكليلا
كلُّ نَدْبٍ على المكاره جَلْدٍ
ليس يبغي بالحُسْنيين بديلا
"عُقبةُ" الخيرِ من هنا مرّ يوماً
و"ابنُ ياسينَ" قد هداه السبيلا
"يوسفُ" العدلِ سيفُه حِميريٌّ
يألف الغزوَ بكرةً وأصيلا
و"المراديُّ" يحتبي رمحَ حقٍّ
سمهريّاً ومشرفيّاً صقيلا
رضعوا الصدقَ سُنّةً وسبيلا
وطِعاناً ومَحْتِداً وقبيلا
صدقوا اللهَ عهدَهم ورعَوْهُ
قومُ صدقٍ ما بدّلوا تبديلا
كم أسرّوا للسابحات رؤاهم
وأستماتوا في الله جيلاً فجيلا
تذكر الخيلُ سَمْتَهم وسُماهم
ورؤاهم فتستعيد الصهيلا
أرضُ الإسراء مَحضنُ الأنبياءِ
أقسمتْ لن تكون للغرباءِ
كم تُنادي وتستغيث ولكنْ
ليس في القوم سامعٌ لنداء
أين الابطالُ أين هم لا أراهمْ
غيرَ أبطالِ مسرحٍ وغناء ؟
يُحصَد القومُ كالسنابل حصداً
ويموتون جُوَّعاً في العراء
لا مواساةَ إذ يُبادون غيرُ الــ
ـكلماتِ السقيمة الجوفاء
إنّها غيبةُ العقيدةِ عاثتْ
في ديار الإسلامِ مثلَ الوباء
يا بلادَ الإسراءِ ما دون الإسلا
مِ خلاصٌ في حالة اللأواء
هل عرفناكِ يا فلسطينُ إلا
يومَ تنزيلِ سُورةِ "الإسراء" ؟
كيف يرجو نصرَ المهيمنِ قومٌ
لم يُقيموا في الأرض وحيَ السماء ؟
أيّها الطالبون للثأر عودوا
للصراط السويّ دون التواء
لم يكُ العُرب دون الاسلامِ إلا
مثلَ شاةٍ تتيه في البيداء
فإذا هم عادوا إليه أستعادوا
كلَّ حقٍّ وقرَّبوا كلَّ ناء
فبالإسلام قبلُ حلّوا فقادوا
أممَ الأرضِ قُنّةَ العلياء.
النخيل الجريح
مدورة هي أذرع الشمعدان
وتيه تقاسمه القارظان
وذل تسنم خيل الطعان
ونصل السنان
حنانيك يا عاشق الشمعدان
فللبيت رب.
تدلى بنائق مجد تليد
وتجلد ذاتك سوطا
وتجلدك الآخرون
فلا الخيل تذكر أرسنها
وهذا النخيل إدخال الجريد
ضمادات جرح على صدره
وبضع سنابل تنبت عطشى
يؤرقها الرمل تحلم ليلا بسرب الجراد
وترقد في العش قبرة
ويعسوب نحل يطاولها
"إذا ما خليلي أسى مرة".
وسمر كرام على ضمر
وعبة ثأر
وقامات نخل
تروح وتغدو بخفي حنين
ومكحلة وبخور
ومقصورة للحريم
وعجل يخور
ومسبحة للأمير.
أمن مازن أنت ؟
وإبلك ماذا ؟
ويمسح بوم بمنقاره صفحة الكهرباء
ويمضي يحملق في جحره
عجيب تبدل بعض السمات ؟
أبوم يعشعش في الكهرباء؟ وينسى "ربيعة" يوم "الكديد"
وتزهو "النضير" بيوم بعاث.
***
عيون النوارس مشدوهة
لطقس يمارسه البحر سرا
ويطفو على الموج بعض الغثاء
وبعض "شباك" يرنحها الموج غربا
وزعنفة غيرات سربها
وتمشي تغوص إلى الركبتين
ورمل شديد اللزوجة يغري الجنادب بالبيض
ومرسى قديم تسمر خوفا
وقوقعة فوق جسم المحار
تحاول دفن ملامحها.
ويدمي الرؤى مخلب للبغاث
تنسر هذا البغاث الرقيع
إلام التنازل عن سحنة الوجه ؟
عن بصمة المرء؟ عن جلده ؟
ألا أيهذا الزمان الرديئ
أما آن "لليل أن ينجلي"؟
سلام على الخيل والليل
أتخشى من السرح أشواكه ؟
أفي السرح شوك ؟
غريب تبدل بعض الصفات.
وتسأل خيلك سائسها
أباع أحيحه "الذات الحواشي" ؟
وهل "داحس" عاد بين الخيول ؟
وهل عادت العير تحمل تمرا إلى "خيبر" ؟
وأين "البراق" وساحته ؟
وطيب شذا سردة المنتهى ؟
وهل "جاوز الظالمون المدى"؟.
وحيدا
وحيدا
تقاتل وحشا
وصدرك عار
وفي قبضتك شظايا حجر
تشبثت بالارض مثل البذور
وكنت على أرضك السيد
نهضت تقاتل عن أمة
ـ لها الله ـ
تخشى العدى والردى
وكنت لها مهجة حرة
أبت أن يمر عليها العدى.
***
سيد محمد بن السالك
  • من مواليد الركيز، عام 1962.
  • حاصل على شهادة المتريز من كلية الآداب جامعة بنواكشوط، 1985.
  • عمل أستاذاً للغة العربية في المدارس الثانوية والتجارية.
  • مدير دروس في الثانوية التجارية.
صدر له:
  • جنون العقل، مسرحية، 1986.
أنا الخلـود
نيسان يا لحنا يـردده الوجـودوقصيدةً كتَبت معانيهـا العهـودْ
كم قد سكرنا من تعاطينا الهوىحتى كأنّا قـد تملكْنـا الوجـود
قم نغترفْ خمر الحياة وشهدهـاقم خلّص الأفكار هيمنة الركود
قم نرتشف كُنْه الوجود وسـرهكن ثمل أسرار المحبة والشهود
قم علِّم الإنسان للإنسان, عـلْـلمِه الفضائل والتجاوز والصمود
يا مشعل الأفكار يـا محرابهـادمتم لنا عيـداً وعيـداً للقصيـد.
الملامُ
أُلامُ فـلا أبـالـي بالـمـلاموكم يغري الملامُ ذوي الهيـامِ
فنعم غرام ليلى مـن غـراموبئس ملام صحبي من مـلام
وإن هم حرَّموا التهيام يومـافحيّ معي على ذاك الحـرام
وهل تجدي ملامـة مستهـامترنح لم يـذق طعـم المـدام
ومَنْ خَبَرَ الصبابة مذ صبـاهوقد عرف الهوى قبل الكـلام
تكورت المحبـة فـي دمـاهودان بدينهـا منـذ الفـطـام
هو الحـب امتنـاع وائتمـارونوع في التزحلق بالضـرام
هو الإبحار دون شراع أمـنوسيرٌ في الغياهب والظـلام
أشدُّ إليك يـا حبـي رحالـيويحدوني إليك جوى الغـرام
فسل عنه حَذَامِ تجبـك قـولا(وإن القول ما قالـت حـذام)
تُجبْـك بأنـه خيـر البرايـاوأجود من يسير على الرغام
بليـغ حيَّـر البلغـاء طُــرّاكريم فـاق جمهـرة الكـرام
إذا هبّت ريـاح بنـي عقيـلدعاه لبيـد مـن دون الأنـام
تغار الشمس منـه إن تبـدّىوحتى البدر في عـز التمـام
فهذي فاتنات القـول جـاءتتطل إليك مـن بيـن الزحـام
أنِلْها منـك وصـلاً وانتمـاءيـدوم إذا تحقـق مـن دوام
وضُمَّ إليك يـا حبـي مُعَنّـىوكم بالضـم يرفـع للسنـام
مُعَنّى قد براه من الهوى مـاترسّخ في العروق وفي العظام
وإن صلى وإن صام امتثـالارآك من الصلاة وفي الصيام.
تعــالــيْ نقتســم الصبـابــة
تُرى ليلى تشاركُنـي الغرامَـاتشاطُرنـي المحبـةَ والهيامـا
أنقتسـم الصبابـة بالتـسـاويونشترك الميـول والإرتسامـا
لئن لم نشترك في صنع حـبفإنَّ إذا ً على الدنيـا السلامـا
ستزرعنا السمـاء بهـا بـدوراإذا ظلت تكنُّ من الهـوى مـا
سيكتبنـا الزمـان بـه قصيـداإذا ظلـت تبادلنـي الغـرامـا
سأنثـر فوقـك الأفــلاك دراوأجعل أنجم الجـوزا وسامـا
سأكتب فيك ملحمـة التحـديلأجعـل مـن تفرقنـا التئامـا
يلـوم العاذلـون ولا أبـالـيأَأَسْدوا (ليَّ) عـذراً أم ملامـا
تعالـيْ نسكـر الدنيـا غرامـاونسقي الكـون قصتنـا مُدامـا
تعاليْ سطِّري الإيمـان فكـراتعاليْ علِّمـي الزمـن الدوامـا
فإنّ بكـل ركـن منـك سـراوإن بكـل زاويــة مقـامـا
وإنّ بكل سهـل فيـك رسمـاوإن بكـل مرتـفـع وشـامـا
وإنّ بكـل نجـد لاَصْطـبـاراوإن بـكـل واد لاعْـتـزامـا
تخبـيء كـل رابيـة عهـوداويخفي كـل منخفـض ذمامـا
لقد أقصرت في وصفي ومدحيوإنّ لمكرمـاتـك لازدحـامـا
فمهما قيل مـن شعـر ونثـرومن خطب فلن تصل المرامـا
لقد أعطيتِ ما لم يعـطِ مصـرٌوإن عليك من ربّـي السلامـا.
***
عبد الله السالم ولد المعلى
  • من مواليد الركيز ولاية الترارزة، عام 1955.
  • متخرج من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بشهادة المتريز في شعبة أصول الفقه، 1986.
  • عمل أستاذاً في التعليم الثانوي.
  • كما مارس بعض الأعمال الحرة البحثية.
  • يعمل الآن في كتابة الدولة لمحو الأمية والتعليم الأصلي.
لم يطبع ديوانا حتى الآن.
يا نجد
يا نجد
هناك في السَّفْحِ بين الضَّالِ والعَـذبِعرفتُ بنتَ الحِمى في عهدهَا الذَّهَبِي
هناك والعيش نشوان الخطى مـرحوطالع الحظ سعد والزمـان صبـي
حملتها من قـرون عشـرة بدمـيوشمسها في مداري قَـطُّ لـم تغـب
وها أنـا اليـوم والأيـام تجمعنـاأحنو أمامك إجـلالاً علـى الركـب
طارت إليـك ربـا شنقيـط وافـدةمع الغيوم تبـاري موكـب السُّحُـب
يحدو الحنيـن إلـى نجـد ركائبهـافلا يرى في سواها مَضْرب القبـب
كم عشت فيها وكم صانتك في دمهـاكالحب كالشعلة الحمراء كالغضـب
وكم لعينيك من ذكـرى بخاطرهـاشابت عذارى الليالي وهي لم تشـب
لولا شميم عَرَارٍ منـك مـا عبقـتربوع شِنْقيط من صوب ومن حَـدَب
يا نجدُ يا نجدُ، هل من نجدة لذويقُرباك في الدين والتاريـخ والنسـب
عَهِدْتِنا الـرأسَ للدنيـا فَغُيِّـر فـيتركيبهـا فتحَوّلْنَـا إلــى ذَنَــب
لا الشام بالشام لا حمص ولا حلـبإذا رجعنـا بحمـص لا ولا حلـب
وأين من سحرهـا لبنـان ضاربـةفي منعة من قـلاع العـز والغلـب
بل أين مَرّ صلاح الديـن سيدتـي ؟عـفـواً ألسـنـا لأم كلُّـنـا وأب ؟
ما ذنبنا أ(هلاكو) فـي مضاربنـا ؟ما إن يزال يرابي صفقـة الشغـب
أم أننـا أمـة منسـيـة حُـرِمَـتْنور الحياة فضاعت في دجى الحقب ؟
أم لم يعد من شهـاب فـي مجرتنـاوما خلت قبلنا يوماً مـن الشهـب ؟
مـاذا دهانـا ألسنـا أمـةً وسطـاظلت لخير أب تدعى وخيـر نبـي ؟
مشت خُطاها الليالي فـوق أظهرنـافما انتبهنـا وعضَّتْنـا فلـم نثـب
رثَّـت عزائمنـا فينـا طماعـيـةفي صوت منتخِب أو فوز منتخَـب
تأتي الهزائم فـي شعبـان مخزيـةتَتْرى فنقرأ أن النصر فـي رجـب
إلى متى هكذا نبقـى ؟ فيـا عجبـا!أَمَا نُحِسّ ؟ أما في الأمر من عجب ؟!
أما أنتهى القول ؟ إن القـول يقرفنـاأما كفانا مـن التهريـج والكـذب ؟
لم تبق في لهـوات الشعـر حنجـرةفقد أغصَّت عكاظ النـاس بـالأدب
وما نرى في سيوف العرب من ذكريرتـاح للشعـر أو يهتـز للخطـب
لم يبق في الكوب من نخب فنجعلهدواء مولاتنا مـن دائهـا العصبـي
هانت على الظافر المختـال راعـدةمن تحتها صلف المستأسـر التـرب
فما يقض على (شارون) مضجعـهفي قلب بيروت أن نشتد في الصَّخَب
عاث الفيالين في الإصطبل وأنتثرتقصيدة الضاد وأنفكـت إلـى لعـب
وأحدثت عربـات الغـرب فرقعـةتفر منهـا خيـول العالـم العربـي
والعرب ـ يا سونتي ـ طفل عدوهـميهديهمُ الموت في الأقـلام والعلـب.
عودة إلى الحب
عودي إلى حبي أطارحْـك الغـزلْفالحب في عينيك كـانَ ولـم يَـزَلْ
عودي إلـيَّ فأنـت أغلـى حاجـةمن أجلهـا الدنيـا تهـون وتُبتـذل
ذكراك كبريت تَخَـزَّن فـي دمـيحتـى إذا لاقتـه عينـاك أشتـعـل
كانـت إلـيَّ ومـا تـزال حبيبـةذكرى أرتنا في مضاربهـا الحلـل
هات حديثك عن أبي الغالـي وعـنأمـي وإخوانـي وأحبـابـي الأُول
أيـن الصِّبـا تستَـنّ فـي غلوائـهفرق الصبايا مثل أسـراب الحجـل
ماذا لديك عزيزتـي عـن (برقـة)هل عندها بعد القطيعة مـن أمـل ؟
(تاهرت) تظهر في جبينـك لوحـةهل جدّ في (تاهرت) بعدي من عمل ؟
ما حال (فاس) ؟ وأينها (قرطاجـة) ؟أم الحضـارة والممالـك والــدول
إني لألمـح فـي عيونـك (عقبـة)يُنهى بشنقيـط المغـازي والرحـل
وأرى الجيـاد اليوسفيـة ماتـنـيبالنصر نازلـة بحيـث بهـا نـزل
من لي به طيفـاً تَفَلَّـتَ مـن يـديوربيـع أحـلام تبخـر وأضمحـل
هل بات مبتـور العـرى تاريخنـافمن الذي اختصر الزمان أو أختزل ؟
مرت على اللقيـا قـرون والهـوىداعـي هديـل لا يجـاب ولا يُمَـل
فلكم سهرت ونـام عنـي صحبتـيوحسوت كأس صبابتي حتى الثمـل
وبعثـت أشواقـي إليـك قصائـداغنيـت فيهـا بالموشَّـح والزجـل
وقرأت حظي في هواك ولـم أكـنلولاك أحتـرف العرافـة والدجـل
وتسوَّرت نفسي محاريـب الـرؤىشطحاً وعدت ولم أجدك ولم أصـل.




أرض المليون شاعر:مختارات من الشعر الموريتاني القديم

الأربعاء 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2009

غزليات
ماء العينين ابن العتيق.
ألمت فولت بالحجا من تشوقُهُ
ولم يدر طعم الشوق من لا يذوقهُ
غداة التقينا للوداع فأدبرت
وجمر الجوى في الصدر يذكى حريقهُ
فأتبعتها عيني بنظرة مشفق
من البين لاقى منه ما لا يطيقه
فصادفتُها تدلي إلى الساق مئزرا
أبى الردف إلا أن يعزَّ لُحوقُهُ
فقلتُ لها والقلب من حسن ساقها
مسوق إليها كيف شاءت تسوقه
أعُجْبَا بحسن الساق منك ترينهُ
تخالين من يرنو إليه يروقه
فردت إلي الوجه والثغر باسم
تلوح على ماء الثنايا بروقه
وقالت: لحا الله الإزار فإنني
إن ادليتُه لم أدر ماذا يعوقه
فقلت لها: لا تعذليه فإنما
بردفك مقطوع عليه طريقه
جزى الله عنك الردف خيرا فإنه
مشوق ويبدي للحجا ما يشوقه

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More